رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقباط.. وطريق المواطنة


الحرية والمساواة والديمقراطية والمواطنة ليست كلمات تردد أو مفاهيم تحفظ أو عبارات نستحسن الظهور بها بمظهر الرقى والتقدم، ولكن هى ثقافة ودرجة وعى وإدراك وقناعة تحقق بالممارسة العملية على أرض الواقع.

بالقطع ليس التعامل مع الأقباط باعتبارهم مسيحيين بما يعنى أن هناك على الطرف الآخر مسلمين، أو وصف الأقباط بـ «الإخوة الأقباط» بما يعنى الثنائية لا التوحد، أو استحسان الأقباط التترس وراء الطائفية واستدعاء الضمير الطائفى بدلا من السياسى، أو استملاح الهجرة إلى الكنيسة الشيء الذى يعزز من دورها لا الروحى ولكن لكل الأدوار المرتبطة بحياة الأقباط بما يجعلها تفوض اللعب لدور سياسى ليس دورها ولا يجب أن يكون، الشيء الذى يستدعى الثقافة القبطية الخاصة وهى إحدى أهم الروافد الثقافية للثقافة المصرية العامة، ليس هذا وغيره كثير سببا للطائفية والمناخ الطائفى الذى أنتج فرزاً طائفياً والذى يسود ويسيطر على المشهد السياسى الآن، ولكن إضافة إلى ذلك هناك أسباب وعوامل كثيرة منها التاريخى والثقافى والاجتماعى هى التى اجتمعت مع غياب ما يسمى بمفهوم المساواة والذى يسمى الآن بـ«حق المواطنة».

فالحرية والمساواة والديمقراطية والمواطنة ليست كلمات تردد أو مفاهيم تحفظ أو عبارات نستحسن الظهور بها بمظهر الرقى والتقدم، ولكن هى ثقافة ودرجة وعى وإدراك وقناعة تحقق بالممارسة العملية على أرض الواقع، ولذا فرض على الواقع هذا التعامل الطائفى على تلك الأرضية الطائفية لا السياسية فمسلم ومسيحى بديل عن مصرى ومصرى.

فكانت الهجرة الجماعية للأقباط إلى الكنيسة وليس بالضرورة أن تكون هجرة جسدية ولكنها هجرة روحية نفسية، مما أعطى الكنيسة وتلك المقاييس دوراً سياسياً فرضه الواقع واستحسنته السلطات وتمنته القيادات الروحية مما خلق ازدواجية خطيرة فكانت عزلة معنوية ومادية فى كثير من الأحيان بين الأقباط والمسلمين.

وزادت الطائفية ضد الأقباط والكنيسة تصورا أن هناك من يحمى الأقباط ويطالب بمطالبهم حتى لو لم تحقق، غير فقراء المسلمين الذين لا يجدون بديلا للدولة مثل هؤلاء، فى الوقت الذى رفعت الدولة يديها عن الأقباط فلا كانت الدولة ولم تصبح الكنيسة بديلا لأن هذا ليس دورها ولا قدرتها ولا هو مطلوبا، وجاء 25 يناير وشارك الأقباط بتحفظ ملموس خاصة أن القيادة الكنسية كعادتها لم تكن ضد السلطة بل كان يجمعها كثير من المصالح مع السلطة ولكن كان قد تشقق السور الفاصل بين الأقباط وبين المجتمع، فكان الخروج للشارع ولكن للأسف فى الإطار والشكل الطائفى أيضا، وهذا قد توازى مع ظهور مجمل التيارات الإسلامية للشارع وبحرية لم تكن لهم قبل يناير.

مما جعل هناك صراعا فى الشارع ولأول مرة بين فريقين وعلى أرضية طائفية وتحت مسمى المتحولات للإسلام أو الاعتداء على الكنائس حتى كانت واقعة ماسبيرو التى شملت ضحايا ومصابين من الأقباط فقط، وتطور الدور السياسى للأقباط بالمشاركة فى المظاهرات ولكن أيضا كأقباط، الشيء الذى كرس النظرة الطائفية من جانب الإخوان ويحمل التيار الإسلامى ضد الأقباط خاصة أن الأقباط كانوا الفصيل الوحيد الذين طرحوا رأيهم كأقباط عند اختيارهم شفيق بديلا عن مرسى مما جعلهم الفصيل الرئيسى المعارض للإخوان ولكن ليس على أرضية المعارضة السياسية، ولكن اعتبروهم معارضين للمشروع الإسلامى ذاته باعتبارهم من ينفذ هذا المشروع.

وتأكد هذا من ناحية الإخوان عند ظهور البابا تواضروس فى إعلان خارطة الطريق بما أكد للجماعة أن البابا والأقباط هم ضد المشروع الإسلامى، الشيء الذى جعلهم يضعون البابا فى قائمة المرفوضين من جانبهم مما أجج المشاعر الدينية لدى الكثيرين من التيار الإسلامى ومن عامة الشعب مما أدى ولأول مرة إلى حرق هذا الكم من الكنائس والذى يحدث بهذا الكم لأول مرة إضافة إلى الاعتداء على الأقباط ومنازلهم ومتاجرهم، ومع ذلك لا نستطيع أن نعتبر هذا المشهد وأخذه فى إطار المشهد الطائفى ولكن هو جزء من المشهد السياسى العام والذى كان نتيجة لهذا الصراع والاستقطاب السياسى بين المختلفين سياسيا والذى بدأت بوادره منذ استفتاء 19 مارس 2011.

والأهم كانت لهذا المشهد نتائج عدة منها: أولا لأول مرة لم يمارس الأقباط دورهم عند حرق كنيسة كما فى السابق وهو العويل ولطم الخدود والحديث عن الاضطهاد واستدعاء الخارج لحمايتهم كما كان يحدث وكما كان يشجع بعض المأجورين من من كانوا يسمون بـ« أقباط المهجر» المروجين للتدخل سواء كانوا فى مصر أو فى خارجها، ثانيا: كان ذلك الموقف الرائع والجميل والعظيم والأصيل والمصرى والتاريخى من الأقباط المسلمين وفى كل المواقع الذين هبوا للدفاع عن الكنائس والأقباط فى مشهد مصرى يؤكد على عظمة مصر والمصريين ويعلن عن جنبات التوحد المصرى القابعة فى ضميرهم الجمعى.

ثالثا: ذلك الموقف العربى العظيم من دولة الكويت الإسلامية الشقيقة والذى أعلنت فيه قيامها بترميم وإعادة بناء الكنائس والمساجد التى تم الاعتداء عليها.

وهذا يثبت أن العروبة هى الملاذ بعد الشدائد ولا تناقض بين العروبة وبين الأديان ولا بين مسلم أو مسيحى أو مسجد أو كنيسة فى الملمات، رابعا: كشف هذا المشهد زيف الادعاء بأن أمريكا والغرب يحمون الأقليات الدينية خاصة ونحن ومنذ ثلاثة عقود والحمد لله نكشف هذا الادعاء ونظهر هذا الزيف بأن هؤلاء لا يعرفون غير مصلحتهم ولا يرون غير ذواتهم وهو ما نراه الآن، هذا الشيء الذى يجعلنا أن نقول إنها فرصة تاريخية أكثر من رائعة أن نجد هذا التماسك والتوحد التلقائى والطبيعى الذى لم يتحدث عن كنائس وأقباط بعيدا عن المشهد السياسى لكل المصريين.

عظيم ألا يهرع الأقباط للكنائس للحماية أو طلب المعونة لأنه كان العكس، ولذا كان البديل الطبيعى هذا التلاحم المصرى المصرى، ولاستثمار هذا لابد أن يفصل الأقباط تماما بين الانتماء السياسى لهم وبين انتمائهم للكنيسة فهذا غير ذاك، على الكنيسة ألا تلعب أى دور تحت أى ظرف غير دورها الروحى، على الأقباط نزع الرداء الطائفى والمسمى والرموز الطائفية فى العمل السياسى فبغير هذا لا يمكن أن تكون هناك دولة مدنية تسع الجميع.

وعلى ذلك ستكون مصر وطنا للجميع ولكل المصريين بكل دياناتهم وانتماءاتهم.

حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق