رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملك البلاغات.. "الدستور" داخل مكتب سمير صبرى: من هنا يطارد "الأفوكاتو" الجميع

تصوير: محمد حيدر
تصوير: محمد حيدر

قدمت 2904 بلاغات.. ولا أسعى للشهرة أو المال
نادم على التنازل عن البلاغ ضد الفنانة رانيا يوسف
يومى يبدأ فى الثامنة صباحًا وينتهى الخامسة فجر اليوم التالى

كشف المحامى سمير صبرى، الذى سجل اسمه فى موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية لكونه أكثر المحامين تقدمًا بالبلاغات، عن أنه تقدم- خلال ٤٤ عامًا وحتى الآن- بما يزيد على ٢٩٠٤ بلاغات مختلفة، كان آخرها ضد هيئة الإذاعة البريطانية «BBC».
ورفض «صبرى»، فى حواره مع «الدستور» بمقر مكتبه، اتهام البعض له بالسعى وراء الشهرة، مؤكدًا أنه لا يهدف إلى الشهرة أو جمع الأموال، بل يتقدم بها انطلاقًا من مسئوليته الوطنية.
وتحدث «صبرى» فى الحوار عن رحلته مع عالم المحاماة، وتفاصيل علاقته بأسرته، وهواياته، ومطربيه المفضلين، وغيرها من الأمور.

■ بداية.. كيف يقضى المحامى سمير صبرى يومه؟
- يومى يبدأ فى الثامنة صباحًا، وينتهى فى الخامسة فجر اليوم التالى، فأنا لا أنام فى اليوم بأكمله سوى ساعتين على الأكثر، وفى بداية اليوم أعقد جلسات واجتماعات وأجرى مقابلات وأراجع قضايا.
وكل ذلك ينتهى عادة فى الحادية عشرة ليلًا، ثم أنزل من مكتبى لأشترى الصحف من شارع البطل أحمد عبدالعزيز، ثم أتصفحها وأرى ما يهمنى فيها ويمكن أن أعمل عليه.
وبدءًا من الساعة الثانية والنصف صباحًا وحتى الخامسة صباحًا، أبدأ فى تصفح جميع المواقع، وربما أشاهد بعض البرامج أثناء إعادتها بالقنوات.
■ دخلت موسوعة «جينيس» فى تقديم البلاغات.. فكم بلاغًا تقدمت به حتى الآن؟
- ٢٩٠٤ بلاغات، و٢١٠٠ قضية.
■ ما آخر البلاغات التى تقدمت بها؟
- آخرها كان يتضمن المطالبة بإغلاق مكتب «BBC» فى القاهرة، بعدما حصلت على أوراق تقضى بأن العقار الذى يتواجد به المكتب مرخص كفندق سياحى ولا يجوز لهم استضافته، لأن هذا مخالف للقانون.
■ لماذا تتقدم بهذا القدر من البلاغات؟
- كل ما يحركنى فى هذا الموضوع هو إحساسى، لأنى أعمل فى الشأن العام بمفردى، فحين أرى موضوعًا ما فى الصحف أو المواقع الإلكترونية أتحرك فى اتجاهه، دون أن أهتم بالمدح أو الذم، وأبدأ فى العمل على كتابة البلاغات والدعاوى.
أنا لا أستهدف مقاضاة جميع فئات المجتمع، لأنى لو قدمت بلاغات فى الجميع لكنت قدمت ١٠٥ ملايين بلاغ، لكنى أواجه الشذوذ فى الفكر والمغردين خارج السرب، دون أن يعنينى اسم أو مهنة من أقوم بالبلاغ ضدهم، وهذا أمر لم أتقاض عليه أجرًا، لأن ما يهمنى هو مواجهة الفساد فى المجتمع.
■ ألا ترى فى ذلك نوعًا من البحث عن الشهرة؟
- «أنا مش عايز شهرة»، فعندى ٦٩ سنة، ولا أسعى للحصول على أى منصب، وسبق أن عُرضت علىّ مناصب ورفضت، كما أنى أعمل محاميًا منذ ٤٤ سنة، وحققت شهرة كبيرة فى مهنتى، لأنى ناجح، وسبق أن كنت محامى «السادات»، وما زلت محاميًا لبعض أفراد أسرته.
■ هل تنازلت عن أى بلاغ قدمته؟
- منذ بدأت حياتى المهنية عام ١٩٧٩ لم أتنازل سوى عن بلاغ واحد، وما زلت نادمًا على ذلك حتى الآن.
■ ما هو؟
- البلاغ الذى قدمته ضد الفنانة رانيا يوسف، وتنازلت عنه استجابة لعواطفى، وهو أمر لم أفعله من قبل، وما حدث هو أنى وجدتها بالصدفة على الشاشة مع عمرو أديب، وكانت تبكى بسبب البلاغ الذى قدمته ضدها، ولم يكن يعنينى أمر بكائها كثيرًا، لكن ما حدث هو أنها قالت إن والدتها عانت من مشكلات طبية عندما علمت بشأن البلاغ، كما أنها شكت من معاناة أبنائها بسببه أيضًا.
ونتيجة لذلك، قمت بإجراء مداخلة مع عمرو أديب، وقلت: إنى متنازل عن البلاغ، وكان هذا خطأ عمرى، لأنها عادت وكررتها من جديد.
■ البعض يرى أنك تحاول تقييد الحريات فى المجتمع.. فكيف ترى ذلك؟
- هم يقولون إنى أحب حبس الناس أو حبس المشاهير، وهذا كلام جاهل ١٠٠٪، لأنى أتقدم ببلاغ فقط باسمى ولست وكيلًا عن المصريين، أما الحكم فهو شأن القضاء، فهو من ينظر فى القضايا ويعطى أحكام الإدانة أو البراءة، وأنا من عادتى ألا أفرح بالأحكام، و«عمرى ما اتبسطت لما حد قدمت ضده بلاغ واتحبس».
فمثلًا، كنت من ألد أعداء الشيخ محمد عبدالله نصر، الشهير بـ«ميزو»، والذى تطاول علىّ فى معظم القنوات، وعندما حكمت عليه المحكمة درجة أولى بـ١٨ سنة كان أنصاره يتطاولون علىّ أيضًا، وبعضهم هددنى وأرسل بلطجية إلى مكتبى، ورغم ذلك عندما كلمتنى والدته، وسألتنى: «يهون عليك أموت من غير ما أشوف محمد ابنى»، قلت لها: «حقك عليا.. وأنا هاتنازل عن البلاغ بكرة»، وبعدها خرج.
ومشكلتى معه لم تكن فى شىء يخصنى، بل بسبب ما يقوله والدليل أنهم أدانوه بسببه، و«ما ينفعشى واحد يطلع يقول القرآن قال شىء وهو ماقالوش»، وموقفى مشابه فى القضايا التى تخص الكنائس أو البابا، لأنى أرى أن من يشتم البابا سيشتم الرسول، وهذا هو قمة ازدراء الأديان.
■ ما القضايا التى ترفض الترافع فيها؟
- القضايا الخاسرة، وقضايا الآداب.
■ ما القضايا التى لا تتقاضى فيها أتعابًا كمحامٍ؟
- «كتير»، فجميع قضايا الموظفين وهى بالمئات دون مقابل، وكذلك قضايا الصحفيين والإعلاميين، وهناك البعض يأتينى وهو لا يملك المال، ويقول لى: «سأبيع كذا مقابل أتعابك»، فأرفض، وعلى العموم أنا أعمل فى هذه المهنة منذ ٤٤ عامًا، وإن لم أكن قادرًا على قراءة الموكل ومعرفة ظروفه سأكون فاشلًا.
■ كيف تكونت هذه النزعة فى شخصيتك؟
- كنا أسرة كبيرة مكونة من ٩ إخوة كلهم مؤهلات عليا وأمى وأبى، بالإضافة إلى «الشغالة»، وكان دخل الأسرة محدودًا رغم منصب أبى، الذى لم يكن فاسدًا، ربما لأن هذه طبيعته، وربما لأن هذه طبيعة وقته.
ووالدى وأصولى من أسوان، وكان والدى يعمل فى البنك الأهلى المصرى، وكان من شروط العمل فى البنك وقتها أن يتنقل الموظف فى المحافظات المختلفة، وألا يظل فى مكان ثابت، لذا تنقلت معه فى أسوان وطنطا ودمنهور والأقصر والفيوم، ومنها إلى القاهرة التى استقررنا بها عندما عُين والدى مديرًا عامًا للبنك، وكنت وقتها قد كبرت ودخلت الجامعة، وهو ما جعلنى أتعرف على ظروف الناس فى مناطق مختلفة.
■ كيف بدأت رحلتك مع المحاماة؟
- هذه قصة طويلة، فأيامها لم يكن لنا رأى أمام الوالد، وكان الابن يقف أمام أبيه وهو ينتفض، والأم تقف أمامه مذعورة، وأصر أبى وقتها على أن أدرس فى مدرسة الحسينية الثانوية، ولما قلت له إنى أريد أن أدرس فى قسم الأدبى، رفض، وأصر على أن أدرس علمى، ففعلت ورسبت.
ولما ذهبت إليه بالنتيجة قال لى: «كويس.. فى الإعادة هايبقى عندك فرصة كويسة، وخلفية تخليك تقدر تذاكر كويس»، وفعلت ورسبت وفصلت من المدرسة.
ولما ذهبت إليه قال لى: «إنت كمان مفصول من البيت، إنتم ٩، ومش هاقدر أصرف على كل واحد ٣ مرات فى كل سنة دراسة، فقلت له: شكرًا ومشيت».
بعدها تقدمت بأوراقى إلى مدرسة «راغب عثمان» فى الفجالة، لأدرس فى الصف الثانى الثانوى أدبى، ولما ذهبت بعدها لأرى النتيجة وجدت لافتة صغيرة مكتوبًا عليها «لم ينجح أحد سوى الطالب سمير صبرى»، وهو نفس ما حدث فى الصف الثالث أيضًا، الذى نجحت فيه بمجموع ٥٣.٤٪ وسمح لى بدخول الكلية التى أتمناها وهى كلية الحقوق.
وعندما ذهبت لتقديم أوراقى فى جامعة عين شمس وجدت لافتة بجوار مكتب التنسيق تقول إن الكافتيريا للإيجار، وكنت ما زلت مفصولًا من البيت، فحصلت على إيجارها بـ٢٥٠ جنيهًا شهريًا، وعملت فيها، وطورتها، وأدخلت إليها ساندويتشات «الشاورما» و«الكفتة»، وكانت وقتها شيئًا كبيرًا.
ودرست ونجحت، وفى العام التالى، استأجرت ٣ كافتيريات فى كليات، وقبل أن أنتهى من الدراسة كنت قد استأجرت ٨٠٪ من كافتيريات الجامعة، بالإضافة إلى كافتيريا الاتحاد العام لطلبة عين شمس، لأنفق على نفسى.
وكنت أقضى معظم وقتى فى غرفة «نوبتجية المطافى» فى «البادروم»، لأذاكر فيها، وبالفعل نجحت فى السنوات الأربع، وبعدها دخلت الجيش، وكنا وقت الحرب، وكنت قد تزوجت وخدمت فى قاعدة القوات الجوية بألماظة.
■ بعيدًا عن المحاماة.. ما المهنة التى كنت تفضل العمل بها؟
- أحب المحاماة، لكن لو كنت محاميًا فاشلًا كنت سأعمل تاجرًا.
■ أليست لديك هوايات؟
- منذ سن التاسعة أحب اقتناء الأنتيكات من المزادات، ولدىّ ٤٣٠٢ قطعة، بعضها يتخطى سعرها ٢٠ ألف جنيه، ولدىّ فى منزلى غرفة مجهزة بدرجات حرارة معينة حتى لا تتآكل الأنتيكات أو تتغير ألوانها، وممنوع أن تتحرك أى واحدة منها من مكانها، لأنى أحفظ أماكنها وأرتبها بترتيب معين.
■ مَنْ المطرب الذى تفضل الاستماع إليه؟
- أم كلثوم وعبدالحليم حافظ من القديم، وماجدة الرومى وهانى شاكر، وبشكل عام أفضل الأغانى الكلاسيكية.
■ ماذا عن السينما؟
- ليس لدىّ وقت لها، لكنى عندما أقرأ لأى ناقد كبير وأجده يصف فيلمًا ما بأنه «إسفاف» أقرر مشاهدة أوله فقط، لاتخاذ إجراء ضده، وكذلك أشاهد المسلسلات فى أول يوم فى رمضان لنفس السبب.
■ ما أسباب هذه النزعة المحافظة فى شخصيتك؟
- أنا فقط مسلم، أخاف ربنا وأتقى الله، وفى مكتبى أضع صورة البابا بجوار صورة شيخ الأزهر، وأضع القرآن بجوار الإنجيل، لأنى أرى أن القرآن والتوراة والإنجيل كلها واحد، وكلها تحمل الدعوة للسلام والحب والتآخى.
■هل تتذكر تفاصيل أول قضية عملت عليها؟
- تخرجت فى الجامعة عام ١٩٧٣ قبل الحرب، وبعدها التحقت بمكتب النقيب أحمد الخواجة، والذى عملت فيه بناءً على توصية من زميلى الأستاذ صابر عمار، وكان دفعتى، وما زلت أدين له بالفضل إلى الآن.
وفى هذا المكتب تعلمت وتدربت على القضايا، لكنى فضلت الخروج منه، لأن المكتب كان متخصصًا فى قضايا الوزراء وكبار المسئولين، وكنت أحتاج للتعرف على طبيعة باقى القضايا. بعدها ذهبت للعمل فى مكتب الأستاذ محمد علوان، أمين عام صندوق نقابة المحامين، وظللت فيه ٣ سنوات، وكانت أول قضية أعمل فيها تخص «فكهانى» فى منطقة الحلمية، وحصلت فيها على أتعاب ٥٠ جنيهًا، أما أول مرتب حصلت عليه فكان ٣٠ جنيهًا، وكنت وقتها متزوجًا ولدىّ ابن هو «محمود».
وعمومًا كانت تطلعاتى أكبر من الأمور المالية، فهدفى هو أن أكون محاميًا ناجحًا، حتى أثبت لوالدى أنى نجحت، و«أنى مش فاشل».