رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفجيرات سوريا تؤجل حسم القضية



يبدو أن «منبج» السورية ستظل محورًا للأحداث فى شمال سوريا، ويبدو أن الولايات المتحدة ما زالت تدرس قرار الانسحاب، فبعد سلسلة الانفجارات فى سوريا التى بدأت بانفجارات منبج التى تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وقتل فيها ١٥ شخصًا بينهم ٤ عسكريين أمريكيين، تلتها بيومين انفجارات دمشق قرب ارتكاز أمنى أدت لسقوط ضحايا بين قتلى وجرحى، فى حين استهدف انفجار ثالث رتلًا عسكريًا فى محافظة الحسكة أدى أيضًا الى مقتل أفراد من قوات سوريا الديمقراطية وإصابة جنديين أمريكيين.
التفجير الأخير أعلنت وكالة أعماق، الناطق الإعلامى باسم تنظيم داعش، أن التنظيم وراءه، وهو أول هجوم إرهابى ضد القوات الأمريكية فى المدينة منذ تمركزها وتوجيه ضربات جوية ضد الإرهاب فى إطار التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ويضم أكثر من ستين دولة.. فى المقابل شهدت الأيام الأخيرة انفجارات فى محافظة اللاذقية أسفرت عن مقتل سائق وإصابة أربعة آخرين، رغم أن منطقة اللاذقية تخضع لإجراءات أمنية معقدة مكثفة، بحيث لا يمكن العبور إلا من خلال عشرات الحواجز الأمنية التابعة لأجهزة المخابرات، بالإضافة إلى أنها منطقة تسيطر عليها الطائفة العلوية بما يجعل لهذه المنطقة حساسية خاصة، لاسيما أنها توفر لسوريا الإطلالة على البحر الأبيض المتوسط ولها أيضًا مزايا استراتيجية لسوريا، التى تقيم قواعد عسكرية بالقرب من اللاذقية وطرطوس، ومن المؤكد أن روسيا ستحاول منع أى توتر أمنى فى محيط قواعدها العسكرية.
التفسيرات اختلفت حول عودة التفجيرات إلى مناطق مختلفة فى سوريا، فيرى الباحث السورى شريف شحادة أن التفجيرات دليل على فشل الجماعات المسلحة فى تحقيق نصر، وأنها محاولة لإثبات الذات، وأنها محاولات لا تقدم ولا تؤخر، وأنها محاولات فاشلة للتدليل على أن الأزمة فى سوريا لم تنتهِ وأن المعركة لا تزال طويلة.
انتشرت التفجيرات فى عدة مناطق بين شمال ووسط البلاد، فمن منبج إلى اللاذقية إلى دمشق إلى عفرين، التى شهدت أيضًا انفجارات بالقرب من مقر لفصيل تابع لتركيا (أحرار الشرقية)، وهو فصيل مدعوم من تركيا وبعد الانفجار مباشرة طوقت المكان الميليشيات التابعة لتركيا بمنطقة المركز الثقافى وسط مدينة عفرين.
انتشار التفجيرات واختلاف التفسيرات لوحظ معه أيضًا توارد أنباء عن وصول تعزيزات عسكرية أمريكية جديدة إلى سوريا وتحركات عسكرية أمريكية قرب دير الزور وتأسيس قواعد جديدة.. كل هذه الأحداث أعادت طرح التساؤلات حول مدى جدية الانسحاب الأمريكى من سوريا، فرغم التصريحات الأمريكية عن وضع خطة للانسحاب، دخلت قوات عسكرية جديدة من شمال العراق إلى محافظة الحسكة السورية. تزامن ذلك مع الإعلان عن تأسيس قاعدة جديدة فى دير الزور بالقرب من محطة مياه الصحبة.. كل ذلك يشير إلى أن واشنطن لم تحسم بعد قرار الانسحاب أو تحديدًا لم تضع خطة واضحة.. فهناك خلافات بين ترامب وقيادات سياسية أمريكية حول قرار الانسحاب ومراحله وتأثيره على الوضع الأمريكى فى الشرق الأوسط ومدى ارتباطه بتحقيق مصالح أمريكية أو فشل سياسات أمريكية سواء سابقة من أيام بوش وأوباما، أو منذ تولى ترامب الحكم. فقد صرح بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكى السابق لسوريا، بأن بلاده لا تمتلك خطة لسوريا، مضيفًا: نحن نغادر وهذا يعنى أن قواتنا يجب أن تكون لها مهمة واضحة وهى الانسحاب بأمان.. هذا يعنى فى نظر المحللين أن تحديد ملامح وخطوات الانسحاب مرتبط بحجم التوافقات الأمريكية التركية من جهة، والتركية الروسية من جهة أخرى.
التفجيرات أيضًا تشير إلى عودة ما يطلق عليه الذئاب المنفردة، وهى عناصر داعشية تعمل دون توجيه مركزى، وتشهد أوروبا العديد من العمليات المرتبطة بها. هذه العناصر تنشط دومًا عندما يحاصر التنظيم المركزى أو تتعرض عملياته المنظمة للفشل، فعندما تم طرد داعش من العراق بشكل شبه نهائى وأيضًا الهزائم المتتالية له فى سوريا وسقوط دولته فى العديد من المحافظات السورية.. انطلقت عناصر منه لا تخضع لتوجيه أو تخطيط مركزى للقيام بعمليات تعيد اسم التنظيم إلى الوجود، وفى نفس الوقت قد تضطر الدول إلى اتخاذ مواقف تخفف قبضة المواجهات عن التنظيم الرئيسى، ليستعيد قواه فى مناطق تم طرده منها.
التفجيرات أيضًا تؤكد أن هناك أنظمة وأجهزة مخابراتية يهمها ألا يستقر الوضع فى سوريا، خاصة مع ارتفاع أصوات عربية مطالبة بعودة سوريا إلى الجامعة العربية ووجود توجه دولى يدعو إلى إنهاء الأزمة السورية بعد ثمانى سنوات من اندلاع الصراع داخل سوريا وتدخل غربى ومحاولات داعشية لإقامة دولته بالشام.. ومع صمود بشار الأسد طوال السنوات الثمانى أمام المؤامرات والمعارك، كل ذلك يدعو أجهزة مخابراتية، فشلت فى تحقيق أهدافها، إلى تعطيل أى تقدم فى خلق حلول نهائية للأزمة السورية، ورغم ذلك فالشعب السورى فى أغلب المناطق المحررة قد عاد إلى العمل بروح تدعو للتفاؤل مع صدور موازنة جديدة وإصرار من الأسد على مواصلة العمل على تحرير باقى المناطق التى تخضع لقوات تركية أو تنظيمات إرهابية، كل ذلك يصب فى صالح سوريا حال اتجاه الدول العربية إلى دعم الموقف السورى.. الحفاظ على الجيش العربى السورى ووحدة الدولة السورية، كان مبدأ مصريًا منذ بداية الأزمة عام ٢٠١١، وإن كان شهد اختلافات عام تولى الإخوان الحكم ولكنه عاد قويًا مع ثورة ٣٠ يونيو وما أعقبتها من تغييرات.. وظل الرئيس السيسى يؤكد أن الهدف هو حماية الشعب السورى ووحدة الجيش العربى السورى.. الموقف المصرى والموقف العربى الجديد ومحاولات البعض من الدول الغربية، تقابله محاولات تركية للتمدد فى سوريا تحت دعوى مطاردة الأكراد، ومحاولات إيرانية للتواجد تحت دعوى حماية سوريا وتطلعات روسية لتثبيت الأقدام فى المنطقة، تواجهها محاولات أمريكية للحصول على نسبة أكبر من الغنائم وعدم الخروج من المنطقة صفر اليدين، وأيضًا محاولات إسرائيلية لتأمين حدودها وتواجدها.
كل هذه المواقف تجعل الموقف فى سوريا قابلًا للتغيير عدة مرات، ولكنه فى النهاية سيحسم لصالح سوريا العربية، التى كانت وستظل تشغل مكانة مهمة فى المنطقة العربية وقوة مؤثرة فى الشرق الأوسط.