رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب داود يكتب: إنهم يشوهون 25 يناير


منذ أيام بدأت الصفحة الرئيسية لموقع «فيسبوك» تُظهر لى إعلانًا مدفوعًا عن برنامج اسمه «ستديو ٢٥»، يقول صانعوه إنه برنامج تمثيلى كوميدى، ولأننى من المدافعين بكل ما لدىّ عن ثورة ٢٥ يناير، لم تستهوِنى منذ البداية أى محاولات للارتباط بها، أو ادعاء الحديث باسمها، أو استخدام دلالتها، اللهم إلا مستشفى «٢٥ يناير» الذى أطلقه الزميل الصحفى محمد الجارحى، فهو فى النهاية مستشفى، وما أشد حاجتنا فى عموم مصر إلى الكثير والكثير من المستشفيات، المهم أننى لم أرتح لعنوان البرنامج، أو قل إننى بدأت بتوقع السيئ، لكننى تريثت قليلًا على أمل «الكوميديا»، ففى مثل هذه الأيام، يمكن للفنون وحدها أن تشكل مساحة من الراحة، أو الترفيه، أو الأمل فى الأحسن، لذا انتظرت، وأنا أُمنى النفس بجرعة ترفيه محتملة، حتى كان مساء الأحد الماضى، عندما ظهر لى أول «برومو ترويجى» للبرنامج، والمفترض أنه تشويقى، يقدم أفضل ما لدى فريقه من مشاهد، فتوقفتُ عنده.
يبدأ الإعلان الترويجى، الذى يبدو عليه الإنفاق الجيد، بشخص يرتدى ملابس أزهرية، والمفترض أنه يجلس أمام مسئول بإحدى القنوات الفضائية، يقدم له ما سوف يتحدث عنه فى برنامجه، ثم يتحدث عن فضائل الفقر، والجوع، ليبدى المسئول إعجابه بالكلام: «أيوه كده.. تمام»، إلى أن تأتى مفردة «السلطة» على لسان الأزهرى المفترض، هنا ينتفض المسئول، ويصرخ فيه: «نعم ياروح أمك؟»، فيلحقه الأزهرى «المدعى» بالدرة الكوميدية، موضحًا أن السلطة لها على الجميع السمع والطاعة، ثم يضيف: «يقول رب العزة»، فيتمتم اثنان بزى أزهرى يجلسان فى الخلفية: «صلى الله عليه وسلم»، ليصرخ فيهم الشيخ: «بقول رب العزة الله يخرب بيوتكم».
إيه خفة الدم دى؟ وما تلك اللطافة؟
ما هذه السماجة؟ وأى كوميديا فى هذه البلاهة؟ ولماذا ينفق عليها من كلّف وأعد ونفّذ وبث على مواقع التواصل الاجتماعى؟
هو ده الإعلان الترويجى اللى المفروض إنى كنت «أسخسخ» من الضحك لما أشوفه؟! ثم أبدأ فى التوقع بقى وكده، وانتظار قنبلة الموسم الكوميدية؟
طيب، ما علينا من تقل دم أمهم، «على رأى الرائع دائمًا عمرو عبدالجليل»، لكن ما علاقة هذه السماجة برقم ٢٥؟ ولماذا تصر جماعة بعينها على تشويه أهم حدث فى مصر، والتمسح فيه، والسطو عليه؟
لا أخفيكم أننى أكره نسبة كل نقيصة فينا إلى تنظيم «الإخوان»، فنحن قد تجاوزنا المائة مليون «ما شاء الله»، وبنا ما بنا من عيوب ونقائص، ولدينا من كل فئة الكثير والكثير والكثير، لكننى فى هذه الحالة، وجدت ذاكرتى تستدعيهم دون غيرهم، فهذه هى السماجة التى أعرفهم بها، بالابتسامة الصفراء، والسحنة المداهنة، هذه هى طريقتهم فى احتكار الحديث فى الدين، بتشويه أى مصدر آخر، وهذه هى حدود قدراتهم «المتواضعة»، التى يسهل كشفها ومعرفتها بأقل قدر من التساؤلات، خصوصًا مع كمية الإشارات «الغبية» التى تم بثها فى مقطع فيديو مدته أقل من دقيقة، بداية من استخدام رقم ٢٥، باعتبارهم الفئة الأكثر حرصًا وإصرارًا على ربط أنفسهم بالثورة التى لم يكونوا بها، ولم يشاركوا فيها، أو تظهر لهم أى أمارات بأحداثها، إلا عندما حان وقت قطافها، وصولًا إلى الزى «الأزهرى»، والكلام عن الإعلام، والفضائيات، دونًا عن كل نقائصنا، ومساخرنا التى تستعصى على الحصر.
من الوارد بالطبع ألا يكون للتنظيم الإرهابى علاقة بهذا البرنامج «السمج»، ومن الوارد أيضًا أن تكون إحدى خلاياه النائمة، التى تعمل بالفن وفق نظام «التُقية»، لكن المريب والمزعج فى الأمر هو الإصرار على تشويه ٢٥ يناير بمثل هذه السخافات، والإنفاق عليها، أيًا كانت الفئة المنتجة، وأيًا كان من يقفون وراءها، فلا تبتذلوا الرقم أرجوكم، لا تهينوا رمزيته التى ما زلنا نحتفظ بها، ولا نريد لها أن تتشوه.
يا أيها النمل.. ارفعوا أيديكم عن ٢٥ يناير، ولا تقربوها، خلوها لنا كما هى، بلا «إخوان»، ولا تنظيمات تدّعى الوطنية دونًا عن غيرها، بلا سماجة، ولا أى نوع من «التماحيك الفارغة».
كلمة أخيرة ربما تكون مهمة، على الأقل بالنسبة لى، دعوا الفنون لمن يؤمنون بها، ويبدعون فيها، اتركوا لنا مساحة للبهجة، نبدأ بها عامنا مع بصيص من الأمل.. حتى الكوميديا فاشلين فيها «يا ولاد الكئيبة»!.