رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وصفة إيمانية لعلاج العقل المشوش



ما الذى يحول دون صفاء الروح؟
السبب هو أن الناس عقولها مضطربة ومجهدة، تشويش مستمر يحدث للعقل، فلا يستقر على فكرة واحدة، بل يقفز من فكرة إلى فكرة، ومن خاطر إلى خاطر حتى يصاب بالإجهاد الشديد.
التشويش الذى يصيب العقل أشبه بأمواج متلاطمة، فالأفكار تضرب بعضها بعضًا حتى يصير العقل مثل شبكة اتصالات بها آلاف التليفونات فى آن واحد، وكيف أمنع هذا التشويش لتصفو روحى؟، كيف أصل لصفاء القلب؟
هناك طريقان أساسيان: الأول: وسائل مادية خاصة بجسدك، والثانى: وسائل نفسية خاصة بروحك.
الأول تحكم فى مدخلات الجسد، إذ لا بد أن تربى عقلك وكل جسدك ليكون روحانيًا، فالأفكار فى عقلك مثل نهر جار، لا بد وأن تتحكم فيما يدخل إليه، ماذا تشاهد، ماذا تسمع، ماذا تأكل؟
امش قدر ما تستطيع، استمع للموسيقى الجميلة، بدلًا من الموسيقى الصاخبة، لا تشاهد فيلم «أكشن» أو مثيرًا، اختر نوعية الأكل، إياك والخمور، إياك والسمنة، صل واستمتع بصلاتك، وليس لأداء الواجب، اختر نوعية الأصدقاء التى لا تفسد عقلك أو قلبك.
باختصار تحكم فى الأفكار التى تشوش على عقلك، لا بد أن تكون كل المدخلات لعقلك نظيفة لتصل لصفاء عقلك ويجب أن يصبح كل ذلك هو طريقة حياتك.
أما الوسائل النفسية، فتتمثل فى سلامة الصدر من الكراهية. عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضى الله تعالى عنهما، عندما قال النبى، عليه الصلاة والسلام، لأصحابه: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة»، فقال هذا فى الليلة الأولى، فدخل رجل لا يعرفونه، هو من الصحابة، لكنه غير مشهور، وفى الليلة الثانية قال نفس الكلام، وكان هو الشخص نفسه، وفى الليلة الثالثة، كرر الكلام، وأيضًا كان نفس الشخص.
فتعجب عبدالله بن عمرو: كيف يقول النبى، صلى الله عليه وسلم، هذه البشريات الثلاث لصحابى مغمور ولا يعرف الناس عنه شيئًا، فى حين أنه ما قال هذا الكلام لكل الصحابة رضى الله تعالى عنهم؟!
فذهب إلى هذا الرجل، وقال: أنا بينى وبين أبى خلاف وأريد أن أبات عندك، فقال: مرحبًا. ثلاثة أيام، ظل يراقب فيها الرجل، فوجد أن صلاته وعبادته لا زيادة فيها، وما عنده ذاك الجهد الكبير ككبار الصحابة.
فلما انتهت الثلاثة أيام، قال له: أريد أن أخبرك الحقيقة، أنا لم يكن بينى وبين أبى خلاف، ولكن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال كذا وكذا فأردت أن أتأكد منه، قال: هو ما رأيت يا ابن أخِى. هذا الذى رأيته، يعنى: يصلى الفروض، يصلى بعض النوافل، ليس مجتهدًا فى الصيام ولا فى القيام ولا فى غيره، وإنما عبادات عادية جدًّا.
فولَّى عبدالله بن عمرو، رضى الله تعالى عنه، وتعجب لماذا بشره النبى، صلى الله عليه وسلم، بهذه البشرى؟! فلما انصرف ناداه هذا الصحابى وقال: يا ابن أخِى، غير أنى أبيت ولا أحمل فى صدرى حقدًا ولا حسدًا لأحد. يعنى: لا أحمل فى صدرى أى شىء تجاه أى شخص قد يضايقنى، وأسامح كل من يتعامل معى. فقال ابن عمرو: بها أوتيت بشرى النبى، صلى الله عليه وسلم.
وهناك وسائل إيمانية خاصة بروحك: اخشع فى صلاتك، لأن الخشوع روح الصلاة، فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح.. والخشوع فى بدايته تركيز، وبالتالى التركيز هو الذى يصل بك إلى الخشوع، فالصلاة ليست مجرد حركات تؤديها بلا حضور أو فهم لما يُتلى من كتاب الله.
ولهذا: بينما النبى، صلى الله عليه وسلم، جالس فى المسجد ذات مرة إذ دخل رجل فسلم على النبى، صلى الله عليه وسلم، فرد عليه، ثم قام الرجل فصلى، فلما انتهى من صلاته ذهب إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه، فرد عليه سلامه، ثم قال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل!» فذهب فصلى ثم عاد فسلم، فرد النبى عليه ثم أعاد الأمر مرة ثانية: «ارجع فإنك لم تصل»، ففعل الرجل ثم عاد فسلم فرد عليه النبى، ثم أمره أن يعيد الصلاة مرة أخرى!! قال الرجل: «والذى بعثك بالحق.. ما أحسن غيرها.. فعلمنِ»، فقال له الناصح الأمين، صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فكبّر، ثم اقرأ معك ما تيسر من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، واجعل ذلك فى صلاتك كلها» رواه البخارى.
لكن السؤال ما علاقة ذلك بعلاج التشوش الذى يصيب الإنسان، ويجعله متخبطًا فى تفكيره؟، ذلك هو أصل العلاج، لأن بداية الإبداع عقل مستقر مركز، فلن يمتلك العقل القدرة على الإبداع والتجديد، بينما هو مشوش العقل والفكر، ركز وتذوق.. والصلاة تساعدك.