رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرافدين تصدر الأعمال الكاملة للشاعر "بسّام حجّار"

جريدة الدستور

صدرت في بيروت عن دار الرافدين ومنشورات تكوين، الأعمال الشعريّة الكاملة للشاعر اللبناني الراحل "بسّام حجّار"، بواقع مجلدين من القطع المتوسط، وبإعداد وتقديم الشاعر علي محمود خضيّر.

ضمّ الكتاب، الذي تجاوز مجموع صفحاته (950) صفحة بمجلده الأوّل، المجاميع الشعرية التالية: "مشاغل رجل هادئ جدًا"،"لأروي كمن يخاف أن يرى"، "فقط لو يدك"،"صحبة الظلال"، "مهن القسوة"،"مجرّد تعب".. فيما ضمّ المجلد الثاني المجاميع التالية: "معجم الأشواق"، "حكاية الرجل الذي أحب الكناري"، "بضعة أشياء"، "كتاب الرمل"، "ألبوم العائلة يليه العابر في منظر ليلي لإدوارد هوبر"، "تفسير الرخام".. صمم غلاف الكتاب الشاعر محمد النبهان، فيما كانت رسمة الغلاف للفنان حامد سعيد.

من مقدمة الكتاب، كتب خضيّر: "جمع بسّام حجّار في شعره خصائص ظلت علامةً دلاليةً على فرادة لطالما نشدها كشافو الجوهر الإبداعي الذين قدموا برهانهم في الكتابة.. كتب بسّام عن الهشاشة والصّمت، عن الغياب والعائلة، وصعّد عمارة شعره على لبنة الفكر والفلسفة والإرث العالمي للشّعر، مُستندًا إلى ثقافة ورؤيا لا تعوزها اليقظة.. هو شاعر القلة بمعنى أنه شاعر العمق لا الوفرة، الهمس لا الصراخ.. قد تكون موضوعاته محدودة، لكنه عالجها بأنماط متنوعة من قصيدة النثر جعلت قصيدته حيوية ومرنة إزاء قارئ متباين المستوى.. كان يتعامل مع اللغة بوصفها تجربة عيش.. شعرُ بسّام فرصة لمراقبة التجربة المعاشة وهي تتحول إلى لغة، ولهذا فهي تجمع بين البساطة والعمق في آنٍ واحد".

بسّام حجّار المولود في 1955 يعد من الشعراء اللبنانيين البارزين الذي أضافوا قيمة جوهرية للمنجز الشعري العربي الحديث عبر تجربته التي حقق فيها حضورا مؤثرا في مجال كتابة الشعر والمقالة النقديّة والترجمة، مشكلا نموذجا فريدا للاشتغال الأدبي الحصيف والمتأني، فضلا عن إسهاماته الجادّة في مجال الصحافة منذ بداياته في صحيفة "النداء" أواخر السبعينيات حتى رحيله 2009، وكان وقتها محررا في صحيفة المستقبل.

ومن أجواء المجموعة الكاملة نختار:
" قالَ ٳنَّه مُتْعَبٌ
وٳنَّه أصْبَحَ في آخِرِ ٱلعُمْرِ
فَما جَدْوى أنْ يَبْتَهِجَ لِشَيء
وقالَ ٳنَّ ضَوْءَ النَّهارِ يُؤلِمُ عَيْنَيْه
وٱلغُبارَ يُؤذي رئَتَيْه
وَمَكَثَ في غُرْفَته
يَجْلِسُ على حَافَّةِ السَّريرِ مُطْرِقًا
وَقَدْ أسْنَدَ جِذْعَهُ بِساعِدَيْه،
قالَ ٳنَّه مُتْعَبٌ
ولا يَقْوى على السَّيْر في الشّارِعِ
فالنَّفَسُ يُجْهِدُه
كأنَّه ٱعْتادَ على ما يُشْبهُ ٱلاخْتِناقَ
وٱكْتفَى مِنَ ٱلهواءِ بالأقلِّ
ٱلَّذي لا يُحْيي ٱلكناريَّ ٱلَّذي أماتَهُ البَرْدُ،
وقال ٳنَّ الرَّبيعَ
يكادُ أنْ يَقْتُلَهُ
والصَّيفَ باذِخُ ٱلقَيْظ
والشِّتاءَ قارسٌ ومُبْتَلٌّ
وٱلخَريفَ فَصلُ النَّوّاحاتِ
ٱلكئيبُ
ولا يَعْرِفُ لماذا لا تُفارِقُ ٱلبُرودةُ
أطرافَه
وقَالَ خُذِ ٱلخاتَمَ
لا أمْلكُ سِواهُ
وَقَلَمَ ٱلحِبْرِ
ودَثَّرْني بالغِطاءِ الصّوفِ جيّدًا،
وهات وجهَكَ أُقبِّلُه
هاتِ يَدَيْكَ
قد لا أراك غَدًا،
قالَ ٳنَّه مُتْعَب
ولا يَنام
فاللَّيلُ مُوحِشٌ وقَفْرٌ ومخيفٌ
دقائقُ أو ساعات قد تكون الأخيرة
فَيَنْهَضُ وَيَمْشي في الرّواقِ
يأكُلُ خُبْزًا جافًّا
يَشْرَبُ جُرْعَةَ ماء
وتُؤنْسُهُ جَلبةُ أنفاسِه الثَّقيلةِ
كأنَّ أنفاسه تُحَدِّثُهُ
كأنَّها ٱلأبناءُ وٱلجيرانُ وصُحْبَةُ ٱلكأسِ
والنُّزُهات،
وما كان يُصلّي
وقال: أحبَبتُ مَنْ أحْبَبْتُ
ومن أحَبَّني أعطاني مِنَ ٱلغبطَة ما لا أسْتَحِقُّ،
وَكُنْتُ أحيا وٱلموتُ في رِئَتَيَّ ألَمًا وَسُعالًا،
وَكُنْتُ أحيا بالنَّزْرِ ٱلقليلِ
مِنَ ٱلهواءِ وٱلمَلَذّات
سَقيْت النَّباتَ ٱلُمعَرِّشَ حتى ٱسْتطالَ ٳلى
السَّقف
وَوَضَعْتُ الكناريَّ في قَفَصٍ
وأطْعَمْتهُ ٱلحَبَّ وَسَقَيْتَهُ ٱلماءَ
وَماتَ على الرُّغْمِ منّي
وبَكيْتُهُ أيّامًا ثلاثة
لَمْ أُورثْ أحدًا مَشَقَّةَ أنْ يحيا مثلي
وألم الرَّبوِ والكَفَاف
جَعَلْتُ لِساعتي وَقْتًا مكَثتُ في ٱنْتِظارِه
لَمْ أُخْبِرْ أَحدًا
لكنّي مكثْتُ في ٱنْتظارِه
وَقُلْتُ لها حين أقْبَلَتْ عَلَيَّ
دَعيني أضَعُ رأسي ٱلمُتْعَبَ على صَدْرِكِ
وَلَمْ أقُلْ لها ٳنّني أُريد أنْ أبكي
ولكنّي بكَيتُ
بِضْعَةُ أشياء أعْرِفُها وَحْدي
جَعَلَتْني أبكي
وَلَمْ أكُن خاِئفًا
وَلَمْ أكُن بائِسًا
لكنّي بكَيْت".