رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وفاة النبى «1-2»


- قبل وفاته قال النبى لابنته فاطمة: فاطمة أرى أن الأجل قد اقترب فاصبرى يا فاطمة فإنه ليس هناك امرأة مـن المـسلمين سـتكون أعظم مصيبة منك

بعد أن أدى النبى، صلى الله عليه وسلم، حجة الوداع، نزلت الآية: «الْيَوْمَ أَكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»، ففرح بها عمر بن الخطاب، لأن الإسلام اكتمل، وبكى أبوبكر الصديق، ولما سـألوه لمَ تبكى؟، أجاب: ما بعد التمام إلا النقصان.. وما دام الأمر قد اكتمل فهذا نعى رسول الله.
عند خروجه من مكة، جمع النبى الناس، وقال لهم: «إنمـا أنـا بـشر ويوشـك أن يـأتى رسـول ربـى فيقـبض روحـى، وإنكم سوف تُسألون عنى بين يدى ربى، فماذا ستقولون لربى؟، فقالوا: سوف نقول بلغت ووفيت وأديت، فجزاك الله خير ما جزى به نبيًا عن أمته»، فيقول: «الحمد لله، الحمد لله».
وعندما وصل إلى المدينة، دخل المسجد النبوى وجمع الناس، وقال: «إنـى راض عـن أبـى بكـر.. عمر بن الخطاب.. عثمان بن عفان.. على بن أبى طالب.. عبدالرحمن بن عـوف.. سـعد.. (ذكر العـشرة المبشرين بالجنة)، وراض عن الأنصار والمهـاجرين».
وقال: «أيهـا النـاس أذكركم بـالله فـى أهـل بيتـى، أيهـا النـاس احفظـونى فـى أصحابى فلا يبلغنى أن أيًا منكم يظلم أحد أصحابى يوم القيامة، أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين».
رجع النبى متعبًا من الحج، وبدأ يـصلى الـسنن قاعـدًا.. عمر بن الخطاب، يقول له ممازحًا: شبت يا رسول الله.. ظهرت بـضع شـعرات بيض عند أذنيه، فقال: نعم شيبتنى هود.. فقال عمر: لم يا رسول الله؟، قال: فيها آية شيبتنى: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ».
يقول النبى لابنته فاطمة: يا فاطمة أرى أن الأجل قد اقترب، فاصبرى يا فاطمة، فإنه ليس هناك امرأة مـن المـسلمين سـتكون أعظم مصيبة منك، فقالت: «الله المستعان»، يعمل على تهيئتها نفسيًا لتلقى خبر وفاته، حتى لا تتفاجأ.
تنزل آخر آية من القرآن: «وَاتَّقُواْ يَوْمـًا تُرْجَعُـونَ فِيـهِ إِلَـى اللّـهِ ثُـمَّ تُـوَفَّى»، يطلب النبى أن يزور شهداء أحد، وكأنه يـودع الأمـوات بعـد أن ودع الأحيـاء، يقول لهم: الـسلام عليكم يا شهداء أحد أنتم السابقون وإنا بكم لاحقون.
يقول: «اشتقت لإخوانى»، فيسألونه من هم؟، يجيب: قوم سـيأتون مـن بعـدى يؤمنـون بـى ولـم يرونـى، اشـتقت لهـم فبكيت»، تبكى يا رسول الله شوقًا لنا ونحن لا نبكى شوقًا إليك؟.
يقول لأحد الصحابة واسمه أبومويهبة: «يا أبامويهبة أريد أن أزور البقيع»، ثم استطرد: «لقد خيرت أن أملك مفاتيح خزائن الدنيا وأخلد فيها ثم أدخل الجنة وبين أن ألقى ربى وأدخل الجنة»، فقال له أبو مويهبة: «بأبى أنت وأمى اختر أن تملك خزائن الدنيا وتبقى مخلدًا فيها»، فقال له: «لا يا أبامويهبة لقد اخترت لقاء ربى لقد اشتقت إلى ربى».
وبدأ النبى يمرض مرضًا شديدًا.. يقول: «أمّـروا أبـا بكـر يـصلى بكـم»، يستأذن زوجاته: «أتـأذنون لـى أن أمـرض فـى بيـت عائشة؟، فيجبن: «نأذن لك يا رسول الله»، فأراد أن يقوم فلم يستطع فجاء علـى بـن أبـى طالـب والفـضل بـن العبـاس وحملاه إلى بيت عائشة، فرآه الناس محمولًا فبدأوا يجزعون، وامتلأ المسجد النبوى بالناس، يقول: «لا إله إلا الله إن للموت لسكرات».
تقول عائشة: «أصبح النبى يتصبب عرقًا، فأخذت يده أمسح بها العرق لأن يده أكرم من يدى، فتذكرت أنه كان يدعو للمرضى والضعفاء ويضع يده على رؤوسهم ويقول: «اللهم رب الناس أذهب الباس، اشف أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا»، فأخذت يده ووضعتها على رأسه وظللت أدعو بها فرفع يده وقال لى: «لا يا عائشة لا ينفع الآن، كان ذلك فى المدة»، أى عندما كان فى العمر بقية، لكن الآن لا ينفع. تقول: «فعرفت أنه ميت».
وظل على هذه الحال والمسجد مملوء بالناس، فسمع أصواتهم فقال: «ما هذا؟»، قالت: «الناس تخاف عليك يا رسول الله»، فقال: «احملونى إليهم»، فأراد أن يقوم فما استطاع فصبوا على وجهه سبع قرب من الماء وقام وحملوه على المنبر، وقال آخر كلماته: «أيها الناس كأنكم تخافون علىّ؟»، فقالوا نعم يا رسول الله.. أيها الناس موعدكم معى ليس الدنيا موعدكم معى عند الحوض، والله كأنى أراه من هنا، والله ما الفقر أخاف عليكم ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم.. أيها الناس إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين لقاء ربه فاختار لقاء الله».
ولم يفهم أحد من هو هذا العبد إلا شخص واحد هو أبو بكر الصديق الذى ارتفع صوته بالبكاء إلى درجة النحيب، وقام وقال له: «فديتك بأبى، فديتك بأمى، فديتك بأهلى، فديتك بمالى فديتك بكل ما أملك». فنظر الناس لأبى بكر كيف استطاع أن يقطع كلام النبى، فقال لهم الرسول: «دعوا أبا بكر فما من أحد منكم كان له على فضل إلا كافأته به إلا أبا بكر لم أستطع مكافأته فتركت مكافأته لله عز وجل».
ثم أكمل: «أيها الناس من كنت قد جلدت له ظهرًا فهذا ظهرى فليقتص منى، ومن كنت أخذت منه مالًا فهذا مالى فليأخذ منه، ومن كنت قد شتمت له عرضًا فهذا عرضى فليقتص منّى، فإنى أحب أن ألقى الله نقيًا، ولا يخشَ الشحناء فإنها ليست من طبعى، فقام رجل وقال له: «لى عليك ثلاثة دراهم فقال له: «جزاك الله خيرًا»، وقال للعباس أعطه دراهمه.