رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إهانة الصحفيين فى سنة أولى تقاعد




ليس عيبًا أن تتيح لك تجربتك الشخصية، فرصة للتعرف على هم كبير، كان زملاؤك يعانون منه فى صمت، وربما منعتهم كبرياؤهم من البوح به أو الحديث عنه، وقد أتاحت لى تجربة التقاعد أو الخروج إلى المعاش فرصة للتعرف على هذه الأمور المهينة التى يمر بها الصحفى، الذى وصل إلى سن التقاعد، ما بين إدارة التأمينات ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة.
لم يكن مفاجأة بالنسبة لى أن أصل إلى سن الستين، فهذا أمر كنت أتوقعه منذ زمن، ولا بد أن المؤسسة الصحفية الكبرى التى تشرفت بالعمل فيها كانت تدركه، وكذلك النقابة الشمّاء التى أشرف أيضًا بعضويتها، ووزارة التأمينات التى حصلت منى على أقساط تأمينية منتظمة، منها ٢١ عامًا بالدولار الأمريكى بسبب عملى فى الخارج.
كنت أعتقد أن الأمور ستسير بطريقة سهلة، وأننى سوف أصرف راتبى التقاعدى، من المالية ومن نقابة الصحفيين فى الشهر التالى لتقاعدى، ولكننى اكتشفت أننى واهم مثل ريتشارد قلب الأسد، كما ظهر فى فيلم الناصر صلاح الدين، فما أقرته لى قوانين الدولة يتلاعب به بعض الموظفين كبارهم أو حتى صغارهم.
لن أحدثك عن الوجوه الخشبية التى تقابلك فى إدارة التأمينات، رغم قلة عدد المراجعين، ولكن يكفى أن أقول لك إنهم يطلبون منك أن تسلم ملفك التأمينى وتعود إليهم بعد أكثر من شهر، وقد أخبرتنى موظفة، كانت لطيفة ومهذبة بالفعل، بأن الموعد المحدد لى لا يعنى أن تكون إجراءاتى قد انتهت بالضرورة!، وبالفعل مر الموعد ومر بعده شهر وما زالوا يطالبون بأوراق تثبت أننى دفعت أقساطى التأمينية، وكأن علىّ أن أقوم بعملهم!، وعندما تحدثت إلى زملائى مندهشًا مما قيل لى، أخبرنى أحدهم وهو مدير تحرير لإحدى الصحف القومية، بأن إنهاء إجراءات صرف معاشه استغرق ستة أشهر كاملة، فيما تباهت مديرة تحرير أخرى بأن صرف معاشها لم يحتج أكثر من ثلاثة أشهر، وضحكت وهى تقول: «واضح أننى كنت محظوظة».
ولا أعرف فى الحقيقة لماذا يحتاج موظفو التأمينات كل هذه الأشهر الطويلة لإنهاء إجراءات التقاعد وصرف المعاش، خاصة أنهم يصرفون لك بعد شهور المعاناة معاشك أو راتبك التقاعدى منذ أول يوم للتقاعد، أى أنهم- وللحقيقة والإنصاف- لا يأكلون حقك، ولكنهم يتباطأون فى إعطائك إياه.. دون سبب واضح أو مبرر منطقى، ودون اكتراث، لأنك قد تعانى بشدة أنت وأسرتك من انتظار لا معنى له.
أما فى نقابة الصحفيين، فتصدمك المفاجأة عندما تخبرك الموظفة المسئولة- وهى أيضا شديدة التهذيب- بأن هناك لجنة للتقاعد سوف تعرض عليها أوراقك تمهيدًا لصرف معاش الصحفيين، وأن أول معاش ستستحقه بعد شهر من تقديم الطلب، وهو ما يجعلك تتساءل: هل تحتاج لتقديم طلب للتقاعد لنقابتك بعد سن الستين، وهل الأمر يحتاج للجنة للبت فى الأمر؟ أليس المعاش أمرًا مستحقًا، خاصة إذا كان الصحفى يسدد رسوم العضوية المقررة، ويدفعها مضاعفة إذا كان من الصحفيين العاملين بالخارج؟.
المعضلة الثالثة، هى معضلة هذا البدل المقرر من المجلس الأعلى للصحافة، لكل صحفى يصل إلى سن التقاعد، وهذا البدل أمر جيد يحمد عليه- بعد الله- المجلس الأعلى، لأنه بمثابة مبلغ يعين الصحفى المتقاعد على الحياة الكريمة، ولكن هناك دائمًا مسافة بين ما يحدث على أرض الواقع وما يجب أن يكون، والحقيقة أن هذا البدل صرف للصحفيين الذين تقاعدوا فى العام ٢٠١٦، وما زال من تقاعدوا بعد هذا التاريخ على قوائم الانتظار.
لكل هذا أتساءل: لصالح من يبقى الصحفى من ثلاثة إلى ستة أشهر، دون أن يتقاضى معاشه أو راتبه القاعدى؟ من الذى ينفق على بيته؟ من الذى يدفع فواتير علاجه هو وأسرته؟ من الذى يستره هو وأولاده؟ ولصالح من يتم كل هذا؟.
أقولها صريحة هذه ليست شكوى شخصية، فأنا وغيرى ممن عملوا لسنوات فى دول خليجية يستطيعون الانتظار، ولكن ماذا عن الصحفيين الذى لا يملكون إلا رواتبهم ومعاشاتهم؟.
لصالح من تتم إهانة الصحفيين فى أول شهور التقاعد؟.. هذا سؤال أتمنى أن يجيب عنه الأستاذ الفاضل مكرم محمد أحمد بصفته نقيبنا الأسبق ورئيس المجلس الأعلى للإعلام، وكذلك الأستاذ عبدالمحسن سلامة نقيبنا الموقر.