رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل ما بعد الإخوان.. وحديث المصالحة


جاءت أحداث دار الحرس الجمهورى لتمثل نهاية لحكم الإخوان بما اشتملت عليه من أحداث التحريض والعدوان والكذب، وهو ما سيكشف عنه التحقيق الذى تجريه الجهات القضائية سواء النيابة العامة أو النيابة العسكرية أو اللجنة الخاصة التى طالب بها رئيس الجمهورية المؤقت وشيخ الأزهر.

كنت قد توقعت مبكرا سقوط حكم الإخوان فى شهر يوليو بناء على فشلهم فى إدارة شئون البلاد، وتصاعد الأزمات بأنواعها، من فشل فى معالجة قضايا الأسعار، والإمداد باحتياجات الناس وخاصة ما تتابع من أزمات السولار ثم البنزين ثم الكهرباء، ومعالجة قضايا الثقافة الأمر الذى أدى إلى إضراب الفنانين والمثقفين وعجز وزير الثقافة عن دخوله مكتبه، وقضايا الإعلام مما أثار الإعلاميين وعجز وزير الإعلام عن التعامل مع الإعلاميين رغم أنه كان قد تولى عمل نقيب للصحفيين سابقا بعد استقالة الأستاذ مكرم محمد أحمد، هذا إلى جانب الفشل فى التعامل مع القضاء والمحافظة على الوحدة الوطنية سواء فى معالجة قضايا الشيعة أو قضايا الأقباط، وهى قضايا شديدة الحساسية، وقد عولجت هذه القضايا باستخفاف وجهل بمبادئ الأمن القومى. أما قضايا الماء ومشكلة سد النهضة والعلاقات مع إثيوبيا فقد مثلت فضيحة فى كيفية معالجتها خاصة فى المؤتمر الذى عقده الدكتور محمد مرسى فى الرئاسة على الهواء. وهناك العلاقات مع سوريا والتى عالجها على أساس العلاقات مع الجماعة، وهو ما تكرر أيضا فى علاقته مع حماس. كل هذا كان مؤشرا إلى أن استمرار الأوضاع على ما كانت عليه كان يعنى تدمير علاقة مصر بالدول الأخرى وخسارة ما بقى من عناصر الحياة المصرية. وكان قد بدأ فترة رئاسته بماعرف بالإعلان الدستورى المشئوم، أو الإعلان اللادستورى الذى خالف فيه الأساس الذى انتخب عليه، وحصن قراراته، ودفع نحو ديكتاتورية جديدة. ومع التوقع بسقوط حكم الإخوان نبهت لضرورة الإعداد لفترة ما بعد الإخوان، فلم يكن المهم سقوط حكم الإخوان فقط، وإنما معالجة قضايا الحياة فى مصر والتى عانت من تعامل الإخوان معها. وللأسف فإن أحدا لم ينتبه لها.

على ضوء ما سبق كان تحرك الشعب المصرى يوم 30 يونيو والذى انضمت إليه القوات المسلحة التى لم تكن تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدى بعد أن اتضحت إرادة الشعب، وأصبح استمرار حكم الإخوان مزيدا من معاناة الشعب ومخاطرة بالانزلاق إلى موجات من العنف والعنف المضاد لم يكن يعلم مداها إلا الله. وكانت هناك إلى جانب ما سبق شكوك حول الأمن القومى من اتفاقات مع جهات خارجية يجرى التحقيق فيها، فإذا ثبتت صحتها فسيكون لها انعكاس خطير على مستقبل حركة الإخوان فى علاقتها مع الشعب المصرى بل والشعوب الأخرى. وقد ظهر بذلك بشكل ما فى رد فعل القوى الاستعمارية على انضمام القوات المسلحة للإرادة الشعبية وروجوا لاعتباره انقلابا عسكريا رغم أن التحرك الشعبى متمثلا فى حركة تمرد كان بدأ من ثلاثة أشهر، ورغم أن القيادة العامة للقوات المسلحة كانت قد نبهت إلى مهلة خمسة أيام، ثم ثمانى وأربعين ساعة، ورغم أن القوات المسلحة لم تتول رأس السلطة، ورغم انضمام قوى سياسية كثيرة للتحرك الشعبى الذى مثل الأساس وللقوات المسلحة. رغم ذلك فهم يصرون على أنه انقلاب عسكرى!

جاءت أحداث دار الحرس الجمهورى لتمثل نهاية لحكم الإخوان بما اشتملت عليه من أحداث التحريض والعدوان والكذب، وهو ما سيكشف عنه التحقيق الذى تجريه الجهات القضائية سواء النيابة العامة أو النيابة العسكرية أو اللجنة الخاصة التى طالب بها رئيس الجمهورية المؤقت وشيخ الأزهر، فالطبيعى أن يجرى التحقيق فى مثل هذه الأحداث، لكننا قد اعتدنا على التشكيك فى التحقيقات التى تجرى بينما لا نقدم الأدلة اللازمة للتحقيق، وأرجو هذه المرة أن تكون لدينا الأدلة الكافية، فهناك ما وراء الاعتصام أو التظاهر أمام دار الحرس الجمهورى بدلا من البقاء فى ميدان رابعة العدوية، وهناك ما جاء بالصور من إلقاء بالحجارة والزجاحات الحارقة على الدار، وهناك الشهود الذين شاهدوا محاولة اعتلاء المبانى المواجهة للدار، وهناك الأسلحة التى ضبطت، بالإضافة للمعلومات الفنية التى يكشف عنها التحقيق.

سبق أن نبهت إلى ضرورة العمل على الاستعداد لمواجهة قضايا المستقبل، فالتقدم نحو البناء هو الأساس، والتخلص من حكم الإخوان لم يكن هدفا فى حد ذاته ولكن إزالة عقبة على طريق التقدم، وإن لم نتقدم فقد أهدرنا زمنا وجهدا وحكمنا على أنفسنا بالتخلف. كان بالود أن نعد أنفسنا مبكرا، لكن هذا لم يحدث. ولسنا متفقين على كيفية التقدم، لكن لنا مصلحة فى التعاون مع بعضنا البعض، وأظن أن هذا ما هدف إليه الرئيس المؤقت فى ما أصدره من إعلان دستورى، ومن تعيين للدكتور محمد البرادعى والدكتور حازم الببلاوى، ومهامهم ثقيلة وأمامهم عقبات كأداء تراكمت خلال سنين بل عقود، ثم أضيف إليها خلال فترتين انتقاليتين، وكانت الأخيرة أخطر من كل ما سبق، ومن الطبيعى أن نختلف فى الحكم على الخطوات التالية، بل وأن يختلف تقييمنا للأفراد، لكن من حقهم أن يأخذوا فرصتهم، وأن يحاولوا، وهذا ما يدفعنا للسؤال عن واجب الشعب، وهو غير منظم حتى الآن، ولكن هناك منظمات وليدة قد تكون مشروعا لتنظيمات شعبية تتحول إلى أحزاب لها برامجها وهيكلها التنظيمى.

إن دور الشعب مهم جدا خلال الفترة القادمة، فهناك حاجة إلى استمرار المراقبة والنقد، والتنبيه إلى نقاط الضعف وما يجب أن يشغل المسئولين، وفى نفس الوقت إننا فى حاجة إلى العمل والإنتاج، فبدون العمل لا نستطيع أن نسدد ديوننا ونحصل على احتياجاتنا، بل وتزداد مشكلاتنا صعوبة، لذا فإن علينا أن نعمل بأقصى طاقاتنا من جهة، واستمرار مراقبة الأوضاع من جهة أخرى، وتنبيه المسئولين إلى مانرى ضرورة عمله. ويمكن تحقيق ذلك بتقسيم الزمن ما بين العمل والإنتاج، والتعبير عن الآراء، والراحة؛ فكل هذه العناصر مطلوب وحيوى لتحقيق التقدم. وإذا كنا نثق فى هؤلاء المسئولين فإن من اللازم أن يمنحوا الفرصة أولا والحساب ثانيا.

لابد من التنبيه على ضرورة الحفاظ على علاقة الشعب بقواته المسلحة فهى التى ساندته على مدى التاريخ وهى التى مكنت إرادته فى يناير 2011 وفى يوليو 2013 وكانت أداته فى الثورة العرابية وفى يوليو 1952، وقد عمدت قوى مختلفة ولا تزال هى وقوى أخرى إلى تشكيك الشعب فى جنوده وفى شرطته حتى يسهل السيطرة على مصر، والآن وقد عادوا إلى احتضان مطالب الشعب علينا أن نعض على هذه الفرصة بالنواجذ، وألا نسمح بالتفرقة بينها.

لا بد من توقع الخلاف، فهذه طبيعة الأمور، لكن الخلاف يكون مفيدا إذا كان مخلصا ويستهدف المصلحة العامة، ويكون ضارا فى غير ذلك، فعلينا أن نكون منفتحين على آراء الغير، مستعدين لتقبلها إذا حققت مصلحة عامة، وأن نكون حذرين فى نفس الوقت من الانزلاق إلى ما يضر المصلحة العامة.

فى هذا السياق يأتى حديث المصالحة، وهى ما دعا إليه الكثيرون، وهى سبيل إلى تسوية الخلاف ومنع الاقتتال، ولكن المصالحة ليست أن نقول عفا الله عما سلف، بل تكون بالاعتراف بالأخطاء السابقة والاستعداد لتصحيحها!

■ خبير سياسى واستراتيجى