رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم مجنون.. مجنون!


شغلتنا الأحداث والحوادث عن متابعة فعاليات يوم عالمى مهم، كان من المفترض أن تكون مصر من بين أولى الدول التى تهتم به، لأسباب كثيرة لا تتسع مساحة المقال لعرضها أو شرحها، لكن يمكنك استنتاجها لو نظرت حولك، أو لو قمت بجولة سريعة على شبكات التواصل الاجتماعى.
الاتحاد الدولى للصحة العقلية، الذى يضم ممثلين عن ١٥٠ دولة، بينها مصر، أطلق مبادرة سنة ١٩٩٢، بتخصيص يوم ١٠ أكتوبر من كل عام، ليكون يومًا عالميًا للصحة العقلية (World Mental Health Day)، وناشدت المؤسسات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدنى، التطوعية أو الخيرية، بأن تقيم فعاليات وأنشطة لزيادة الوعى العام بالاضطرابات العقلية، ومكافحة وصمة العار التى تلاحق المصابين بأحد هذه الأمراض. وللتعريف بالأضرار التى تسببها تلك الأمراض، على المستويات الإنسانية، الاجتماعية والاقتصادية. وإجراء نقاشات أكثر انفتاحًا بشأن الأمراض النفسية وطرق ووسائل الوقاية منها.
لا مبالغة فى وصف العالم بأنه مجنون، مرتين، فهذا تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية، فى ٢٠٠١، قال إن حوالى ٤٥٠ مليون شخص يعانون من أحد أنواع الاضطرابات العقلية، وإن واحدًا من كل أربعة أشخاص، تنطبق عليه فى مرحلة ما من حياته صفة الإصابة باضطراب عقلى. وقالت إحصائية أصدرتها المنظمة سنة ٢٠٠٢، إن ١٥٤ مليونًا يعانون من الاكتئاب. وطبيعى أن ترتفع الأرقام وتزيد النسب بمرور ١٦ أو ١٧ سنة، ومع الأحداث المضطربة التى شهدها العالم. غير أنه لا توجد تقارير أحدث عن أعداد المصابين بالاكتئاب، الشيزوفرينيا، الإعاقات العقلية، والاضطرابات الناتجة عن تعاطى المخدرات وتناول الكحوليات، وغيرها.. وغيرها من الأمراض التى تؤثر على الصفات والسمات الشخصية، وفى القدرة على إدارة الأفكار، والتحكم فى المشاعر، وضبط السلوك، وطرق التفاعل مع الآخرين.
الاتحاد الدولى للصحة العقلية World Federation for Mental Health WFMH هو منظمة دولية تأسست سنة ١٩٤٨ بهدف الوقاية من الاضطرابات والأمراض العقلية وتقديم العلاج والرعاية المناسبين للمصابين بمثل هذه الاضطرابات أو الأمراض. أما نحن، فلدينا مجلس قومى للصحة النفسية تم إنشاؤه فى ٣١ مارس ٢٠١٠، ليكون هو الجهة المسئولة عن تنفيذ القانون رقم ٧١ لسنة ٢٠٠٩ الخاص برعاية حقوق المريض النفسى. ولهذا المجلس فروع (أو مجالس) إقليمية بالمحافظات تتولى مراقبة تطبيق القانون فى منشآت الصحة النفسية الحكومية والخاصة التابعة لإشرافها. ومع ذلك، لا تزال منظومة الرقابة على المستشفيات النفسية فى مصر، ضعيفة، أو ضعيفة جدًا، إذ لا يوجد غير ٦٠ مستشفى مرخصة وتخضع لإشراف المجلس القومى للصحة النفسية، مقابل مئات المستشفيات والمراكز العلاجية، غير المرخصة، ولا يعرف عنها المجلس شيئًا، ومن الوارد جدًا أن تكون غير مؤهلة.
احتمالات الإصابة بالاضطرابات العقلية تزيد بزيادة مستوى التوتر فى الحياة الشخصية، وتتأثر بالعوامل الوراثية، وبالتعرض للملوثات البيئية. وهناك عوامل أخرى اجتماعية، ثقافية، اقتصادية، وسياسية، وبيئية، مثل مستوى المعيشة، وظروف العمل، والسياسات الصحية، والدعم الاجتماعى. والأهم والآخر من المسببات هو أن غالبية نظم الرعاية الصحية لا تزال عاجزة عن التعامل مع هؤلاء المرضى أو مع الأعباء المترتبة على الإصابة بتلك الأمراض. وتقول الأرقام إن بين ٣٥ و٥٠٪ من مرضى الاضطرابات العقلية، فى الدول الغنية، لا يتلقون علاجًا. وتزيد تلك النسبة لتتراوح بين ٧٥ و٨٥٪ فى الدول متوسطة الدخل والفقيرة. لكن فى كل الدول، الغنية، متوسطة الدخل، والفقيرة، لا يتلقى المرضى العلاج الكافى، أو يكون العلاج أقل كثيرًا من المستوى والنوعية اللازمين.
لمواجهة هذا الوضع، أو تلك الكارثة، وضعت منظمة الصحة العالمية «خطة عمل الصحة العقلية ٢٠١٣-٢٠٢٠»، أكدت فيها على أن «الصحة» حق أساسى من حقوق الإنسان. وأوضحت أن الصحة ليست فقط الخلو من الأمراض العضوية، أو من الإعاقات والعاهات، وإنما هى حالة متكاملة وشاملة من السلامة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وأن الصحة العقلية والنفسية مكون رئيسى فى رفع مستوى الصحة العامة للأفراد والمجتمع. وأن المصابين باضطرابات عقلية يحتاجون مع العلاج الطبى إلى رعاية اجتماعية، ومساعدتهم فى الحصول على مسكن ملائم وفرص عمل تناسب حالاتهم، ليتمكنوا من أن يعيشوا بشكل طبيعى أو أقرب ما يكون إلى الطبيعى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الاتحاد الدولى والمنظمة العالمية يطلقان شعارًا كل عام، يكون محور اهتمام اليوم العالمى، وكان الشعار الذى تم اختياره ليوم هذا العام، عام ٢٠١٨، هو «الشباب والصحة العقلية فى عالم متغير»، وعليه يمكنك ترجمة «متغير» إلى «مجنون»، ولا مانع من أن تنتهز الفرصة وتنصح كثيرين، تعرفهم، بالتوجه إلى أقرب مستشفى من الستين المرخصة أو المضمونة، أو إلى واحد من المئات الأخرى، لو كنت قد فقدت الأمل فيهم!.