رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النبى غنى وليس فقيرًا



إذا كان النبى، صلى الله عليه وسلم، قد أحب الفقراء وراعاهم وجبر بخاطرهم، فإن هذا لا يعنى بالضرورة أنه كان فقيرًا، أو أنه يريد للأمة أن تكون فقيرة، إذ يعد الفقر هو رأس كل الأزمات التى يواجهها العالم الإسلامى، فهو أساس كل المصائب الأخلاقية.
لماذا إذًا أعلى معدلات فقر فى العالم فى بلاد المسلمين؟
ثقافة تمجيد الفقر منتشرة فى ثقافتنا الدينية، تقول: الفقراء أقرب للجنة ولرضا الله، ثقافة ترضى الفقراء وتخدرهم فيزدادون فقرًا، لماذا يستخدمها الدعاة؟، لأنها تدغدغ عواطف البسطاء.
الفقر عدو الإسلام الأول «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»، وكان النبى يتعوذ منه: «اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر»، وكأنه يكشف عن وجود علاقة الكفر بالفقر.
دعا لخادمه أنس بالغنى «اللهم كثر ماله وولده»، كما كان يدعو لنفسه: «اللهم إنى أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى»، وهو القائل: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، فكيف مع هذا يقال إن النبى قد أسس حضارة تقوم على حب الفقر؟
أما حديث «أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بسبعين عامًا»، فهو ليس دليلًا على أن الفقراء أفضل عند الله من الأغنياء، ولا أعلى منزلة، إذ أنه لم يقل ذلك، لكنه يوضح أن حساب الغنى يوم القيامة غير حساب الفقير، الذى ليس لديه ما يستوجب طول الحساب لفقره، أما الغنى فحسابه أطول لتعدد مصادر أمواله، لحديث النبى «لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة، حتى يُسألَ عن أربع:... وعن ماله».
ليس معنى كلامى أننى أقدح فى الفقراء، لكن من الإيمان أن تخرج من فقرك، فالغنى الشاكر أحب إلى الله من الفقير الصابر.
هناك روايات تقول إن النبى كان فقيرًا، وهناك قصص كثيرة يستدل بها الدعاة الوعاظ على ذلك، ومنها أنه «مات ودرعه مرهونة عند يهودى»، وأنه «ربط على بطنه حجرًا من شدة الجوع»، و«كان يمر الهلال ثم الهلال ولم يوقد فى بيته نار»، و«خرج من بيته جائعًا فلقى أبوبكر وعمر وكانا جائعين».
لكن القرآن، كتاب الله، يقول عكس ذلك: «ووجدك عائلًا فأغنى»، عائلًا وليس فقيرًا، والعائل فى اللغة هو كثير العيال، فلو كان الفقر أفضل من الغنى لم يكن للامتنان، نعم، لقد مرّ رسول الله- كسائر الناس- فى حالات عصيبة ومختلفة طوال حياته، إلا أنه كان فى معظم الأحوال غنيًا وميسورًا.
وإنفاق النبى لا يمكن معه القول إنه فقير، فقد كان ينفق على ٩ زوجات، مهورهن وكسوتهن وطعامهن، وكان يوفر فى بداية كل سنة ميزانية السنة بالكامل، ناهيك عن أولاده وأحفاده وخدمه وضيوفه، حتى إنه فى عام الوفود، قدم إليه ٧٠ وفدًا.
كما أنه اشترى أرض المسجد، وأقام بيتَه على جزء من تلك الأرض، وكان يحب الأكل الطيب، ولا يأكل وَحْدَه، فعن عائشة قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ»، حريصًا على مظهَره، و«أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ»، و«رأيتُ رسول الله وعليه بُردان أخضران».
كان يستخدم العطر، وكان فى زمنه ثمنه مرتفعًا، عن عائشة قالت: «كأنِّى أنظر إلى المِسك فى مفرق رسول الله وهو مُحرِمٌ»، علاوة على أنه كان له وسيلة تنقل شخصية، فكان لديه ناقة تسمى «القصواء»، وبغلة تسمى «دلدل»، وفرس يسمى «السًّكب».
كان كريمًا كثير العطاء، «كان رسول الله جوادًا وكان أجود ما يكون فى رمضان» وكان يتولى الإنفاق على أهل الصفة ويطعمهم من ماله، وبلغ مجموع من كان ينفق عليهم حوالى ١٢٨ شخصًا، ازداد عليهم ٤٠ نفسًا أعتقهم قبيل وفاته، فصاروا ١٦٨.
إذًا النبى كان غنيًا.. فمن أين له هذا؟
ليس صحيحًا أن غناه كان بسبب امتلاك زوجته السيدة خديجة المال، فالقرآن يقول: «الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا»، فكيف يقبل وهو الموحى إليه بها.
كانت بينهما شراكة فى تجارة، وكانت تنفق لكن كان إنفاقها على الرسالة وليس على شخص الرسول، والنبى لم يكن يقبل الصدقة، «إن الصدقة لا تنبغى لمحمد»، وعندما أخذ الحسن بن على تمرة من تمر الصدقة، نهاهما: «كخ كخ».
ولم يكن النبى يقبل عطاء أهله «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى»، وهو الذى ربى ابن عمه على بن أبى طالب.
ولم يقبل المال حتى من أصحابه، عندما هم بالهجرة إلى المدينة اشترى ناقة للرحلة، «قد أخذتها بالثمن»، دفع لأبى بكر ثمنها.
فما هى مصادر أموال النبى؟
كسبها من مزاولة التجارة، كان تاجرًا ناجحًا، إذ أنه اشتغل من صغره، وكان فى عمر ١٢ سنة عندما اصطحبه عمه أبوطالب فى أول رحلة تجارة معه للشام.
وكان أصغر من قاد قافلة تجارية فى مكة، وبلغ عدد رحلاته ٢٣ رحلة، وشارك السيدة خديجة لمدة ٢٠ سنة.