رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بليغ حمدي.. أكثر من حياة



بالرغم من مرور ربع قرن على رحيل بليغ حمدي أبرز وأشهر موسيقي مصري إلا أن الحديث عن أعماله الموسيقية وحياته الخاصة لم ينته بعد، فحياة ممتلئة بالحكايات المثيرة مثل حياة بليغ حمدي لا ينتهي الحديث عنها.

فمن بين العديد من أساطين فنون الموسيقى والغناء في تاريخ مصر الحديث لم تنجز السينما أو الدراما التليفزيونية أو فن الرواية تجربة تحكي عن رحلاتهم الفنية سوى اثنين فقط هما الموسيقار خالد الذكر سيد درويش ومداح القمر بليغ حمدي.

فرغم الشهرة الفائقة لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أو الموهبة الفذة لرياض السنباطي إلا أن ظهورهما في الأعمال الفنية على كثرته لم يكن سوى ضمن الحديث عن فنانين آخرين مثل عبدالحليم حافظ أو أم كلثوم أو حتى إسماعيل يس وشخصية الموسيقار محمد عبدالوهاب ظهرت أكثر من مرة في أعمال السيرة الذاتية مثل مسلسلات أم كلثوم وليلى مراد وفيلم حليم ومسلسل العندليب، وشخصية رياض السنباطي لم تظهر سوى في فيلم أم كلثوم بطولة فردوس عبدالحميد ومسلسل ام كلثوم بطولة صابرين. بينما في عام 1966 قدم المخرج أحمد بدرخان فيلم سيد درويش بطولة كرم مطاوع وهند رستم والذى كان أول فيلم يقدم بشكل مباشر عن شخصية موسيقار مصري.

بعد سنوات، عندما تعرض الموسيقار بليغ حمدي للأزمة الشهيرة التي دفعته للسفر خارج مصر وقضاء الفصل الأخير من حياته في باريس، قدمت السينما المصرية اول الاعمال الفنية التي اتخذت من حياته وواقعة محاكمته موضوعا لها وذلك في فيلم "موت سميرة" إنتاج 1985 بطولة كمال الشناوي ورغدة، هذا الفيلم حاول أن يتحدث عن الواقعة الجنائية دون تصريح بأسماء الشخصيات الحقيقية والتي على رأسها بليغ حمدي نفسه، رغم ذلك فإن الكثيرين من النقاد اعتبروا فيه شبه إساءة للموسيقار الكبير حيث لم يكن قد ثبتت دلائل قاطعة على تورط بليغ في الحادثة.

يدور فيلم موت سميرة حول المليونير عبدالرحمن شاكر الذي يصل إلى مصر بصحبة صديقته سميرة ويتعرف على الملحن المشهور فهمي، يعجب المليونير بالمطربة الناشئة نورا ويحاول التقرب اليها ولكنها تصده، فتنهار سميرة عند اكتشاف خيانة حبيبها وتثور حتى قابل عبدالرحمن ثورتها بالضرب حتى الموت، وفي الصباح يكتشف فهمي الجثة في الوقت الذي نجح فيه عبدالرحمن في الهرب.

كان من الواضح أن الفيلم مجرد استغلال تجاري للحادثة التي وقعت في منزل بليغ دون محاولة تحليل حقيقة ما حدث وهو ما أدى إلى أن يصبح الفيلم واحدا من التجارب المتواضعة فنيا والتي لم تبق في ذاكرة الجمهور.

مع بداية الألفية الجديدة، قرر المخرج السينمائي الكبير مجدي احمد علي والكااتب الصحفي محمد الرفاعي ان يقدما مسلسلا تليفزيونيا ضمن موجة مسلسلات السير الذاتية وذلك عن قصة حياة بليغ حمدي بعنوان "مداح القمر" وهو الاسم المأخوذ عن أغنية عبدالحليم حافظ الشهيرة التي كتبها مجدي نجيب ولحنها بليغ وكان المرجح الأساسي للقيام بدور بليغ هو ممدوح عبدالعليم ومن بعده تم ترشيح الممثل الشاب آنذاك محمد نجاتي وأخيرا إيهاب فهمي. لعدة سنوات حاول كل من المخرج والمؤلف تحريك خطة إنتاج المسلسل ولكن العثرات التمويلية حالت دون خروجه إلى النور.
قد يبدو أن المسلسل قد توقف إلى أجل غير مسمى ولكن ميزة هذا النوع من الأعمال أنها تتسم بطزاجة دائمة بل إنه من الممكن أن تدخل تعديلات كثيرة بمرور الزمن كلما ظهرت وثائق وحكايات عن الشخصية التي تروى سيرتها الذاتية من خلال العمل وبما أن بليغ حمدي كان وسيظل من أهم الموسيقيين المصريين والعرب على حد سواء وبما أن حياته كانت ولا تزال مثارا للجدل ومادة خصبة للبحث والتحليل والاكتشاف فمن الممكن أن يعود المسلسل الى دائرة الضوء والاهتمام بتمويله مرة اخرى خاصة لو تحمس احد النجوم الكبار لتجسيد شخصية بليغ والتي تعتبر شخصية درامية من الطراز الاول.



"بتحبني ولا الهوى كان قدري أنا لوحدى، كان لعنتي أنا، كأني مجرد رقم مزروع في عالمها" (من مذكرات بليغ حمدي)"

في عام 2017 ظهرت احدث الاعمال الفنية عن بليغ حمدي وذلك عبر وسيط الكتابة الأدبية- بعد السينما والتليفزيون- متمثلة في رواية الكاتب الشاب دكتور طلال فيصل والمعنونة باسم "بليغ" حيث ضمن طلال في الرواية مجموعة من الوثائق والمذكرات الشخصية بل صفحات كاملة من أجندة بليغ الزرقاء وبعض القصاصات المتناثرة في مقتياته الشخصية والتي حاول من خلالها أن يصنع صورة بالكلمات لملامح التجارب الحياتية والومضات الإبداعية لهذا الفنان المشتعل بالحب والموسيقى.

استطاعت الرواية ان تحقق مركزا متقدما في ترشيحات جائزة البوكر العربية وحققت نسبة توزيع جيدة ليس فقط لجودتها الفنية ولكن لجاذبية اسم بليغ حمدي ووجود تلك الحالة المستمرة من التشوق تجاه كل ما يخص حياة هذا الفنان.

تجدر الاشارة ايضا الى ان شخصية بليغ حمدى ظهرت بصورة ثانوية في اكثر من عمل فني ضمن تجارب السير الذاتية، حيث قدم الممثل صبري فواز شخصية بليغ في مشاهد قليلة ضمن احداث فيلم حليم إنتاج 2006 وبطولة أحمد زكي واخراج شريف عرفة، كذلك سبق لفواز أن جسد شخصية بليغ في المسلسل التليفزيوني الشهير أم كلثوم سنة 1999 تأليف محفوظ عبدالرحمن وإخراج إنعام محمد علي.