رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطفال مصر فى خطر


قضية «طفلى ميت سلسيل» ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. قضايا العنف الأسرى التى تبدأ بتعذيب الأطفال نفسيًا أو بدنيًا، والتى تنتهى إلى قضايا قتل للأطفال مع استمرار التعذيب أو القتل العمد لهم.. قضايا لها تاريخ طويل ولم تصل إلى حد الظاهرة الخطيرة ولكنها تصرفات تخرج من الطبيعة البشرية، ويجب أن نتوقف عندها حتى لو كانت حالة واحدة.. الأب فى ميت سلسيل لم يكن القاتل الأول، بل سبقه أستاذ جامعى عذب طفله حتى الموت لسرقة الطفل أموالًا لا تزيد على مائتى جنيه.
فى هذه القضية كانت الأم وهى جامعية أيضًا تقف أمام الأب ولم تتدخل لمنعه من تعذيب طفلهما، واستمرت حفلة التعذيب حتى موت الابن، ثم إلقاء جثته فى الشارع لإبعاد الاتهام عنهما.. سبق قضية طفلى ميت سلسيل أيضًا قتل أم لطفلها وأعقبها قتل أم لطفليها وشنق أب لابنته وقتل آخر لابنته طعنًا فى قضايا بعيدة عن قضايا الشرف. إذن القضية هنا المتهم فيها الأب أو الأم وغالبًا ما تكشف التحقيقات عن خلل نفسى. فكثير من المتهمين فى هذه القضايا سواء الجدة التى قتلت حفيدها بدعوى إدخاله الجنة، أو الأب الذى قتل بناته وزوجته لتخليصهن من هموم الدنيا.. هى سلسلة من القضايا كنت أتوقع أن ينبرى لمناقشتها علماء الاجتماع والدين، وليس الجالسون على صفحات التواصل الاجتماعى، والذين تحولوا إلى مدافعين عن الأب فى مظاهرة إلكترونية، ومحاولات لدفع أهل قريته لمظاهرات حقيقية.. اللافت للنظر أن الكشف عن الحقيقة فى جريمة أطفال المريوطية ثم طفلى ميت سلسيل كان مدعومًا بشهود وكاميرات، ولا مجال هنا للإنكار، ولكن ما يحدث يكشف- وقبل أن نناقش أسباب الجريمة- أن هناك من يستغل تلك الأحداث لخلق فجوة جديدة بين الشرطة والمواطن، واستغلال أحداث أخرى مثل تعذيب ضابط لمتهم أو قتل أمين شرطة لآخر للدفع أو للتأكيد على أن جهاز الشرطة ما زال يوجه الاتهامات للأبرياء، ويحاول التخلص من الجرائم بتلفيقها للآخرين.
التعامل مع القضية، أيضًا، شبيه بما حدث فى قضية أطفال المريوطية. فبعد العثور على جثث الأطفال الثلاثة على ترعة المريوطية، انطلقت كتائب فيسبوك لتحدثنا عن جرائم خطف الأطفال والاتجار فى الأعضاء، ثم تأتى التحقيقات لتكشف عن جريمة إهمال أم تعمل فى أحد الكباريهات، ونسيت أطفالها فى غرفة مغلقة، ولإبعاد التهمة عنها ألقت بجثثهم.. تأتى أيضًا قضية قتل أم بالمنيا لطفليها لتكشف عن خلل أسرى عنيف وحالة انتقام من الأب تملكت الأم لتلقى بأغلى من لديها فى إحدى الترع.. قضايا عنف تكشف عن ظواهر متعددة.. وتكشف أيضًا عن قصور فى المعالجة، وأن هناك من يحاول أن يشوه صورة المجتمع المصرى، وأن يشكك دائمًا فى كل تصرفات أجهزة الدولة، وليست الداخلية وحدها هى التى تتعرض لذلك، بل تعرضت له هيئة الرقابة الإدارية فى تصديها لقضايا الفساد سواء فى قضية نائب المحافظ بالإسكندرية أو رؤساء الأحياء أو رئيس مصلحة الجمارك، وقبل ذلك فى قضايا التموين.. تصدت للقضايا كتائب التواصل الاجتماعى، متهمة الدولة ممثلة فى هيئة الرقابة بتلفيق القضايا لإلهاء المواطن عن قضايا أهم أو إلهائه عما يتعرض له فى حياته اليومية من مشاكل اقتصادية، وانتشرت هذه الطريقة لدى المواطنين، وحققت تريندات على صفحات التواصل الاجتماعى، ولكن هيئة الرقابة الإدارية واصلت حملاتها، ولم تتوقف وقدمت القضايا مدعمة بالتسجيلات والرصد والوثائق.. وفى قضايا جرائم الأطفال والعنف الأسرى عمومًا تواجه الداخلية نفس الهجوم، ولكنها فى موقف أصعب، لأن الجرائم تتم دون رصد أو كاميرات أو تسجيلات، وتعتمد على تحريات مكثفة وجهود لضباط وفرق البحث.
وما بين قتل الأب فى بولاق الدكرور لبناته وزوجته، ثم ذهابه لمشاهدة مباريات كأس العالم، وبين قتل الأب لطفليه فى ميت سلسيل، ثم ذهابه إلى أسرته مدعيًا خطفهما وثباته طوال تلك الفترة قبل اعترافه.. يجب أن نتوقف وندعو أجهزة مختلفة لبحث القضايا وأسبابها.. هل هى اقتصادية فى القضايا الثلاث فى بولاق الدكرور وميت سلسيل والمنيا؟ لا يبدو العامل الاقتصادى هو الظاهر أو السبب الرئيسى فى ارتكاب الآباء أو الأمهات القضايا، هل هو المستوى التعليمى مثلًا؟! فتأتى قضية تعذيب أستاذ الطب وزوجته لطفلهما لتنفى ذلك.. إذن العامل الاقتصادى والمستوى التعليمى قد لا يكونان السبب الرئيسى وراء ارتكاب الجرائم، ومن هنا يجب أن نتوقف لنبحث ماذا حدث للمجتمع فى مصر.. لماذا تزايدت جرائم العنف الأسرى؟.. لماذا يقتل الأب ابنه أو تتخلص الأم من طفلها عندما شاهدها فى وضع مخل مع خطيب ابنتها فقتلته وشاركتها شقيقته.. لماذا يقتل الابن جدته الأقرب إلى قلبه أو عمته أو خالته أو أمه أحيانًا؟.
هنا يجب أن نتوقف أمام دوافع عديدة.. العنف الدرامى خلق حالة من اللامبالاة عن المواطن عند رؤيته للدماء أو جرائم القتل، ومحاولات الهروب من الشرطة، وحرص المسلسلات على خلق البطل ورسم صورة له، وكيفية تحويل البلطجى إلى قدوة.. انتشار المخدرات بشكل تحول إلى ظاهرة قاتلة، وفى أوساط اجتماعية لم تكن تصل إليها.. غياب أجهزة الدولة عن معالجة ومواجهة هذه الظواهر، لا الإعلام قام بدوره.. ولا وزارة الشباب ولا الأوقاف ولا المؤسسة الدينية سواء كانت الأزهر أو الكنيسة.. لو تلقى المواطن تعليمًا جيدًا وثقافة معرفية وأدبية، ووجد عالم دين منح له دينه بشكل حقيقى لتوقفت هذه الجرائم.. بناء المواطن هو الأهم اليوم، ويجب دراسة ما يحدث من علماء اجتماع وعلم نفس ودين، وخبراء تعليم وثقافة.
البحث وراء من ينشر الشائعات، ودراسة انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعى خطوة مهمة.. دعم الثقة بين أجهزة الأمن والرقابة وبين المجتمع أيضًا خطوة مهمة فى المواجهة.. قضايا العنف الأسرى تحتاج إلى بحث ودراسة، والوقوف أمامها بشكل علمى وبحثى قبل أن تتحول إلى ظاهرة تقضى على كل شىء.. اتركوا قضايا اتحاد الكرة ومحمد صلاح والكيكى وانتبهوا إلى ما يحدث.. قضايا قتل الأطفال فى ميت سلسيل أو المنيا أو بولاق، طلقات كاشفة لما قد يحدث مستقبلًا من عنف.. انتبهوا قبل أن نستيقظ على مجتمع يقتل ولا يرى فى ذلك جريمة.