رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس الوزراء وعش الدبابير




عزيزى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، بلغنى أنك تتألم لأن حجم الإنجازات العملاقة التى تحققت على أرض مصر فى السنوات الأخيرة ليس له أى انعكاس فى الإعلام، وبالتالى فإن ‏الناس لا تشعر به وبعضهم يقع فريسة لهذه الحملات الإعلامية المشبوهة التى تستهدف بث روح اليأس بين المصريين، وتشويه إنجازهم كشعب أصبح حديث العالم عندما ثار ضد الفاشية الدينية، ‏وتشويه إنجازات ومشاريع عملاقة تبنتها قيادته السياسية.‏
أنا أقول لك إن معك كل الحق، فإعلامنا الخاص الذى يبحث عن الإعلانات والرعاة لبرامجه، لا يهمه إلا البرامج الساخنة والفقرات الملتهبة، التى تزيد نسبة المشاهدة وتفتح شهية وكالات الإعلان، ‏المهم أن تكون البرامج والتعليقات ساخنة أو ملتهبة حتى لو اكتوى الوطن بنارها.. لذلك يشعل مذيعوه الحرائق بعباراتهم النارية وبلاغتهم المبالغ فيها حول أى حادث أو جريمة قتل عادية، ويهملون ‏الحديث عن مشروعات تقهر الصحراء وتذلل أسباب الرزق للمصريين، ويمكن أن تغير حياتهم فى الغد القريب، لأن الحديث عن هذه الأشياء يتطلب إرسال كاميرات ومصورين وإعلاميين لمسافات ‏بعيدة، وهو ما يعنى الإنفاق وتحديد ميزانيات لهذه الرحلات سوف تقلل من أرباحهم، التى يهمهم أن تزيد ولو كان ذلك على حساب مستقبل مصر. وعلى الجانب الإعلامى الرسمى تبدو الصورة أكثر ‏قتامة، فالبرامج والفقرات فى المحطات التليفزيونية التى تهدر المليارات على أعداد ضخمة من الإعلاميين والموظفين- تظهر فى النهاية بلا سخونة وبلا إبداع لأنها تقدم من فاقدى الموهبة والبريق ‏الإعلامى.‏
إعلامنا الرسمى يبدو كالديناصورات التى انقرضت سلالاتها لأنها- معشر الديناصورات- لم تستطع أن تواجه الحقيقة، وهى أن الدنيا تغيرت وحاجات الناس أيضا، لكنها ظلت تفكر بنفس الأسلوب ‏معتقدة أن عضلاتها وأحجامها الضخمة هى التى تحميها، وكانت النتيجة انقراض الديناصورات بينما نجت الكائنات الأذكى وإن كانت أقل قوة وعضلات.. فالبقاء للأذكى وليس للأقوى.‏
عزيزى رئيس الوزراء ليس بالحزن وحده نواجه مشكلة الإعلام المتدهور أو المتداعى، بل بالصبر والعمل الدءوب.. وما دمت تحب بلدك- ولا أحد يشك فى هذا- فعليك أن تقتحم عش الدبابير، ‏وتفتح ملف الإعلام وتتعامل معه باعتباره قضية مصيرية.. أو قضية وجودية لا تحتمل أن نلف وندور حولها. وفى سبيل بدء هذه المواجهة دعنى أطرح عليك عدة أسئلة، من قبيل التفكير بصوت ‏عال:‏
كم تدفع الدولة من أموال لصحف أصبح عدد العاملين فيها أكبر بكثير من عدد قرائها؟ وما جدوى هذا الإنفاق إذا كانت ماكينة الفساد داخل هذه المؤسسات تعمل بهمة تفوق همة ماكيناتها ‏الطباعية؟.‏
هل تشير التقارير التى ترفع إليك إلى أن الدعم الذى تدفعه الدولة لهذه الصحف، لضمان الحفاظ على أسر العاملين بها، يذهب أغلبه لقيادات لا أحد يعلم كيف يتم اختيارها وعلى أى أساس؟ وأنه ‏فى الوقت الذى تتأخر فيه الرواتب الشهرية لصغار الصحفيين والموظفين، فإن كبار القيادات فى هذه المؤسسات يحصلون على بدلات سفرهم بالدولار لرحلات لا تعود على المؤسسات الصحفية ‏بأى عائد حقيقى؟.‏
هل تعرف وأنت رئيس وزراء مصر أى شىء عن ميزانيات الصحف القومية؟ وما نصيب الكبار فيها من أجور ومكافآت وبدلات بالعملة الصعبة، فى مقابل ما يصرف لباقى العاملين؟.‏
هل تعرف أن بعض- ولا أقول كل- المؤسسات القومية الغارقة فى الديون والتى توشك على الإفلاس تصدر فيها قرارات التعيين العشوائية لأبناء كبار العاملين، الذين تتم ترقيتهم وتقليدهم مناصب ‏قيادية حتى ولو كانوا لا يمتلكون أى موهبة؟.‏
كم تدفع الدولة لقنوات تليفزيونية أرضية وفضائية، لا تملك أى تأثير حقيقى على الرأى العام المحلى أو العربى أو الدولى فى وقت تحاربنا فيه دولة مارقة مثل قطر بقناة تليفزيونية واحدة، لا أعتقد ‏أن ميزانيتها تفوق ما ننفقه نحن على قنوات تبدو وكأنها تتحدث إلى نفسها؟.‏
عزيزى رئيس الوزراء، لقد قلت كلمات بسيطة لكنها فى حقيقة الأمر تشخيص رائع لحالة إعلام لا يخدم سياسة بلده فى مرحلة مصيرية، مرحلة تشن فيها حروب الجيل الثالث والرابع من خلال ‏الإعلام، فنرى وكالة أنباء ضخمة مثل «رويترز» تضخّم أى حدث سلبى فى مصر وتحيك حوله التقارير الكاذبة والمضللة، التى تعيد هيئة الإذاعة البريطانية عزفها وتوزيعها وتلحينها لتتلقفها باقى ‏القنوات المشبوهة الموجهة ضد مصر. عزيزى الدكتور مصطفى مدبولى، عندما يشخص الطبيب المرض، فإنه يجب أن يبدأ فى البحث عن العلاج الشافى فورا، سواء بالعقاقير أو بالجراحة إذا لزم ‏الأمر.. أو حتى بطرق العلاج التقليدية التى تقول إن «آخر العلاج الكى». أنا أثق بأنك مهندس ماهر.. مستعد لأن يتحول إلى طبيب إذا طلبت منه مصر ذلك، لمداواتها ودرء المخاطر عنها. أعلم ‏أنك ستبحث عن علاج ناجع لمرض قمت بتشخيصه، ولكن دعنى أجتهد معك بصفتى مواطنًا أولًا.. ثم كصحفى أعطى لهذه المهنة أكثر من ٣٥ عامًا ثانيًا: ما جدوى بقاء قيادات لا تصلح فوق ‏رءوس مؤسسات هى بالفعل مملوكة للدولة، حتى لو حاولنا تجميل الأمر بتسميتها «القومية»؟! ما جدوى قيادات تتصرف وكأنهم ملاك لهذه المؤسسات عندما يبحثون عن أرباحهم وعوائدهم فقط ولا ‏يفكرون بنفس الأسلوب إذا تعلق الأمر بتطوير هذه المؤسسات وزيادة دخولها؟.‏
ما جدوى دعم كيانات صحفية لا تقدم شيئا للوطن، دون بذل أى محاولة لتطوير رسالتها الإعلامية، وحشد الرأى العام لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل؟ هل تدعمون هذه المؤسسات والقنوات ‏الإعلامية من أجل الوطن أم لإثراء قياداتها؟.‏
وهناك كلمة أخيرة ومهمة وهى إذا كان هناك من يقارن بين إعلامنا اليوم وإعلام الستينيات الذى كان يلتف حول خطط التنمية الخمسية والمشروعات القومية- فدعنى أقل باختصار وببساطة كالتى ‏تحدثت بها، إن الفرق الوحيد بين الإعلامين أن إعلام الستينيات كان يتم توجيهه سياسيا بواسطة وزير الإعلام الذى كان يسمى آنذاك وزير الإرشاد القومى، وبواسطة التنظيم السياسى القائم آنذاك وكانت ‏الدولة كلها تهتم به، باعتباره أداة من أدوات البناء والتحدى، أما إعلامنا اليوم فهو- مع شديد الأسف- إعلام بلا رأس.. أو بلا بوصلة توجهه.. باستثناء من خاف ربى.‏
عزيزى رئيس الوزراء، أنا وملايين غيرى نثق فيك، ونسألك: هل تستطيع أن تقتحم عش الدبابير؟ لو فعلتها ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه، فالمرض ليس عيبًا ولا يستوجب الخجل.. وإعلامنا ‏مريض وحالته متدهورة، والعلاج يحتاج إلى قرارات حاسمة.‏