رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ع القدس رايحين.. إيرانيين وإسرائيليين


كل الأوغاد فى تاريخنا الحديث، رفعوا شعارات تحرير القدس فى مؤتمراتهم، وخطبهم النارية وعلى شاشات الإعلام، لكنهم فى الحقيقة مدوا أياديهم وفتحوا قلوبهم سرًا لإسرائيل.. وأكثر هؤلاء الأوغاد تطبيقًا لهذا المبدأ هم حكام إيران، الذين يرفعون شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، وهم أقرب إليهم مما يتخيل الكثيرون، وأكبر دليل على ذلك أن كبيرهم الذى علمهم الكذب تحت مبدأ «التقية» آية الله الخُمينى، خصص يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان ليتم الاحتفال به باعتباره يوم القدس، لكن هذا الخُمينى لم يتوقف أبدًا عن التعاون الاستراتيجى والمستمر مع إسرائيل، خاصة فى حرب الخليج الأولى مع العراق، وقد تبعه فى ذلك سلفه على خامنئى.
المفاجأة التى تفجرت مؤخرًا هى أن إيران تبث ست قنوات تليفزيونية دينية عن طريق القمر الاصطناعى الإسرائيلى «عاموس»، وهى قنوات تتحدث باسمها وتهدف بصورة معلنة لنشر المذهب الشيعى فى المنطقة العربية.. هذه القنوات تحمل أسماء «آل البيت، الأنوار، فدك، الحسين، العالمية، الغدير»، حيث تبث جميعًا من القمر الإسرائيلى «عاموس»، عبر شركة «آر. آر. سات»، وهى شركة اتصالات إسرائيلية خاصة يملكها رجل الأعمال الإسرائيلى ديفيد ريف، وتأسست عام ١٩٨١ بموجب ترخيص من وزارة الاتصالات الإسرائيلية.
وهذه القنوات معروفة جيدًا فى دول مجلس التعاون وفى سوريا ولبنان، وهى بطبيعة الحال قنوات تدعى الولاء لآل بيت النبوة، ونشر أفكار التشيع وتسعى لإبراز وجهة النظر الإيرانية فى جميع القضايا السياسية، وقد تحمل برامجها وفقراتها شعارات الموت لإسرائيل، وحرق العلم الإسرائيلى، لكن ذلك لا يغضب حكومة إسرائيل التى تدرك عمق العلاقات مع إيران، وأن كل الهجمات الإعلامية المتبادلة بين طهران وتل أبيب ليست إلا حملات للاستهلاك المحلى والإقليمى، ولا يمكن أن تمس التعاون والتفاهم العميق بينهما، وهو تفاهم مبنى على عاملين أساسيين هما المصلحة، والرغبة من الجانبين فى تأكيد التفوق على العرب.
الخُمينى الذى أسس الاحتفال بيوم القدس فى أول أعوام الثورة عام ١٩٧٩، نفى فى خطبة ألقاها يوم ٢٤ أغسطس١٩٨١، أن إيران تحصل على أسلحة من إسرائيل، زاعمًا أن أعداء الثورة الإسلامية هم من يروجون لذلك، وقد أثبتت الأحداث أن الخُمينى كذاب، خاصة أيام حربه مع العراق، حيث كان يعيش فى إيران أكثر من ألف مستشار وفنى إسرائيلى، فى معسكر شديد التأمين شمال طهران، وقد بلغ حجم المبيعات الإسرائيلية من الأسلحة لإيران نصف مليار دولار فى الفترة من ١٩٨١ إلى ١٩٨٣، وقد كانت إيران تسددها من خلال مبيعاتها من النفط لإسرائيل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد سهلت إسرائيل عمليات شحن الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إيران، فيما عرف بصفقة إيران كونترا.
ورغم كل هذا التعاون لم يتوقف الدعاء على إسرائيل من خطباء المساجد فى طهران وجميع المدن الإيرانية طوال هذه السنوات، وقد اعترف الرئيس الإيرانى الأسبق أبوالحسن بنى صدر، فى حوار لصحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية فى أغسطس ١٩٨١ بأنه أحيط علمًا بوجود هذه العلاقة بين إيران وإسرائيل، كما اعترف بأنه لم يكن يستطيع أن يواجه التيار الدينى الذى كان متورطًا فى التنسيق والتعاون الإيرانى الإسرائيلى.
الصداقة إذن قديمة وجسور التعاون قوية ومتينة بين زعيمة الإسلام الشيعى وإسرائيل، تمامًا كما تفعل التنظيمات السنية المتطرفة، التى تلعن إسرائيل علنًا وترفع شعارات تحرير القدس، لكنها تطلق نيرانها تجاه الجيوش العربية التى يمكن أن تحارب إسرائيل، خاصة الجيشين المصرى والسورى، وعندما يصاب بعض مقاتلى أو إرهابيى هذه التنظيمات، فإنهم لا يترددون فى الذهاب إلى مستشفيات إسرائيل للعلاج، كما فعل إرهابيو جبهة النصرة، وهى فرع تنظيم القاعدة فى سوريا.. وكما فعل زعيم حماس إسماعيل هنية عندما أرسل أربعة من أسرته منهم ابنته وحفيدته للعلاج فى إسرائيل التى ترفض حركته الاعتراف بها، وتصر على أن «فتح» تبيع القضية، لأنها تنازلت عن مبدأ «دولة فلسطين من النهر إلى البحر».
وقد لخص الكاتب تريتا بارسى، أستاذ فى العلاقات الدولية فى جامعة «جون هوبكينز» الأمريكية، حقيقة العلاقة الإيرانية الإسرائيلية فى كتابه «التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية»، بقوله إن الدولتين ليستا فى صراع أيديولوجى بقدر ما هو نزاع استراتيجى قابل للحل، مؤكدًا أن هناك تشابهًا مثيرًا بينهما فى العديد من المحاور، وأن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما، خصوصًا أن الدولتين تميلان إلى تقديم نفسيهما على أنّهما متفوقتان على جيرانهما العرب، إذ ينظر العديد من الإيرانيين إلى أنّ جيرانهم العرب فى الغرب والجنوب أقل منهم شأنًا من الناحية الثقافية والتاريخية وفى مستوى دونى، ويعتبرون أن الوجود الفارسى على حدودهم ساعد فى تحضّرهم وتمدّنهم، تمامًا مثل الإسرائيليين الذين يرون أنهم أيضًا أقوى من العرب، بدليل انتصارهم عليهم فى حروب كثيرة.
الخلاصة إذن أن كل المخادعين - الذين يبيعون الأوهام لشعوبهم، أو من يسير خلفهم تحت شعارات دينية براقة، أهمها دائمًا تحرير القدس أو فك أسر بيت المقدس، من اليهود والإسرائيليين- هم فى حقيقة الأمر أصدقاؤهم وحلفاؤهم الاستراتيجيون.
كم من الجرائم والخطايا الكبرى، ترتكب فى عالمنا العربى والإسلامى، تحت شعار تحرير القدس! كم من الصفقات المشبوهة والجرائم ضد الأوطان والدين يرتكبها المتاجرون بمدينة الصلاة! والمؤسف أن هناك عشرات وربما مئات الملايين الذين يصرون على تصديق هؤلاء الأوغاد، لطيبة منهم أو لغفلة أو لأسباب طائفية أو نتيجة لانقيادهم الأعمى لجماعة من جماعات الإسلام السياسى.