رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المباراة الأصعب


لم أكن يومًا ما ناقدًا رياضيًا، ولا متابعًا بشكل جيد للرياضة، ولا مجنونًا بكرة القدم، توقف تشجيعى للرياضة عند جيل الخطيب وزملائه، ولم أتابع ما يحدث بعد ذلك. ولكن حالة الأمل التى اجتاحت ‏مصر مع تأهلها لنهائيات كأس العالم، وبعد غياب وصيام عن الوصول إليه طوال ما يقرب من نصف عمرى، كان حافزًا مهمًا لكى أتابع ما يحدث بعد فوز مصر وتأهلها.. المتابعة دفعتنى إلى ‏رصد ما يحدث مع المنتخبات الأخرى من اختيار المدرب، واللاعبين، وإعداد خطة التدريب، واختيار أماكنه، وتحديد من تختبر خطط لعبك معهم.. ثم أيضًا متابعة ما حدث فى مباراتى أوروجواى ‏وروسيا، التى لو تابعتهما بعين بعيدة عن الرياضة لرأيت فيهما كثيرًا من التشابه بين حال البلاد وحال المنتخب.‏
بداية فشلنا لأننا بدأنا الفشل فى مراحل الإعداد، ولم نضع لا خطة إعداد جيدة ولا خطط تدريب علمية، ولا أخذنا مدربًا جيدًا يملك قلبًا شجاعًا لا يعتمد فقط على الدفاع ومحاولة حماية مرماه حتى ‏وإن أوصلته خطته هذه إلى النهائيات.. نملك لاعبين جيدين ومنهم لاعبون مهرة.. لكن روح الفريق أحيانًا تغيب وأحيانًا نخشى الهزيمة فنلقاها.. لو كنا أخذنا هذا الأسلوب أسلوب حياة، لظللنا تحت ‏حكم الإخوان سنين وسنين.. لو لم نكن نمتلك الشجاعة لما خرجنا للشوارع فى ٣٠ يونيو لنقتلع جذور حكمهم، لو اعتدنا لاعبًا واحدًا لكان مرسى بيننا حتى اليوم يخرج لنا لسانه ويحكمنا أهله وعشيرته.‏
ما حدث وما رأيته فى المباراة وبعدها ينقلنى إلى ما يحدث الآن فى مصر.. وصلنا إلى مرحلة مهمة أشبه إلى النهائيات فى كأس العالم.. كان لدينا منتخب مهلهل يقوده مدرب فاشل تشجعه ‏جماهير متعصبة وتلعب بعقولها نخبة متآمرة.. انتفضنا بروح جماعية مع قائد ماهر وضع خطة للتدريب ثم حصد النتائج.. يوم خرجنا فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ كنا نخرج لنواجه ولنهاجم لا ‏ندافع.. لم تخف الملايين من سلطان ولا عصابة، بل سارع الجميع إلى الساحة يلبى نداء الوطن.. الحماس والرغبة فى الخلاص والنجاح كانت الهدف والأمل، وعندما تسلم مدرب الفريق مهامه لم ‏يعدنا بكأس العالم مرة واحدة، ولكنه وعدنا بالنجاح والتأهل وطلب الصمود وبذل العرق والعمل على تجاوز الصعاب.. لم يرتفع بسقف طموحنا إلى الحصول على الكأس مرة واحدة، ولكنه وعدنا ‏بإعداد الفريق والتأهل والنجاح مرات ولكن ببذل العرق والعمل الجماعى.‏
هذا ما فعله الرئيس السيسى عندما خرج مع الشعب فى ٣٠ يونيو ليؤمّن ظهر الشعب، لم يعدنا بالفوز الكامل والنجاح التام مرة واحدة، ولكن وعد بالنجاح خطوة خطوة.‏
أعد الخطة وطلب أن يعاونه الشعب.. كان من السهل أن يعتمد على خطة دفاعية وأن يتم الصمود أمام خط المرمى وكفى، عسى ألا تتحقق الهزيمة وألا يُصاب المرمى بأهداف. خطة نفذها ‏مبارك عبر ثلاثين عامًا، ولكن بغتة أصيب مرماه بعدة أهداف بعد أن ألقى العبء على الدفاع فقط، وتيبست قدما حارس المرمى من كثرة الثبات.‏
اختار السيسى سياسة أخرى، وهى أن خير وسائل الدفاع، الهجوم والهجوم بكثافة ومحاولة التهديف مرات عديدة حتى يحرز الأهداف وينتصر.. اختار أن يعمل الجميع، أن يكون لديه خط دفاع ‏قوى، فأعاد للشرطة قوتها وطور القوات المسلحة لتكون رأس حربة تُحرز الأهداف وتعود أيضًا بلياقة عالية لتدافع حين يحتاجها الدفاع لتسانده.‏
مباراة طويلة لم تنتهِ بعد، ولكن طريقة سيرها تنبئ بالنتيجة.. دولة تماسكت وأركانها تقوى يومًا بعد آخر.. وجيش يستطيع أن يحمى أمنها القومى أبعد كثيرًا من حدودها.. شرطة تعرف جيدًا كيف ‏تحمى ظهر الجيش وتؤمن معه الداخل. ومع خطى الدفاع والهجوم بدأ لاعبون آخرون يحققون أهدافًا، ولأنه يلعب بخطة الهجوم، لم ينتظر بناء المستشفيات ليعالج الأمراض، بل أطلق القوافل الطبية ‏وذهبت إلى المرضى فى قراهم ومناطقهم العشوائية، لينتصر الفريق ويحقق هدفه فى القضاء على فيروس سى، وفى الطريق القضاء على أمراض أخرى. ‏
أعاد ترتيب الفريق وأصلح الملاعب، فمهد الطرق وأنشأ المدن، وبدأ خطة أخرى لتكون مصر خالية من مرض العشوائيات خلال السنوات المقبلة.‏
زرع الأمل ولم يرفع سقف الطموح بأعلى من الإمكانيات.. شخّص المرض وأمسك بالمشرط ليعالج، وضع يده على أماكن المرض وكان أمامه خياران، إما أن يظل ممسكًا بعلبة الدواء المسكّن ‏أو أن يبتر الجزء المصاب ويعالج كامل الجسد.. اختار الأصعب والأكثر ألمًا، فواجه سرطان الدعم الذى استشرى فى المجتمع منذ الستينيات حتى تحول إلى حقوق مكتسبة للشعب لدى الحكومة.‏
وفى المقابل يجب ألا تقف الحكومة مكتوفة الأيدى أمام من يحاول سرقة الجهد والعمل، عليها أن تواجه وبشدة وبقوة غاشمة كل محاولة لوقف الإصلاح سواء بالاستغلال أو الفساد.. نحن إذن فى ‏إعداد الدولة لحصد النتائج.. لدينا خطة تدريب وعمل ولدينا استعداد للعمل، وهو ما يجب أن نواصله حتى النهاية.‏
عندما لعبنا المباراة الأولى وصمدنا ولم ننتبه للدفاع الجيد وظننا أننا سجلنا النتيجة الأفضل، سرقت النتيجة فى لحظة سهو منا، وهذا ما يجب أن نحرص على عدم تكراره فى حياتنا.. حققنا الآن ‏نتيجة أفضل فى مواجهة المرض والإرهاب، وباقٍ قليل جدًا لننهى المباراة معهم، فلنحرص على الدقائق الأخيرة.‏
وعندما لعبنا بحرص على الدفاع ولم تتكامل الجهود وعلقنا آمالنا بواحد منا فقط، كانت الهزيمة قاسية.‏
فإذا لم تتكامل جهود الصحة والتعليم، فلن تنجح جهود الإسكان والزراعة، أما إذا تكاملت الجهود فالنصر قريب، وإذا أعددنا خطة تدريب جيدة وبذلنا الجهود فيها ثم لعبنا جميعًا كفريق متكامل كل ‏فى مكانه يؤدى واجباته.. دفاع يحمى عرين مرماه، وهجوم يحرز الأهداف، وصانعو ألعاب يعدون الهجمات، فسوف نصل إلى النهائيات.‏
أرى الفوز ليس بعيدًا، فالمباراة الصعبة قاربت على الانتهاء، فلنتحمل جهد الدقائق الأخيرة لنحقق الفوز القريب.‏