رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوى.. الإخوان يشمتون فى هزيمة يونيو ٦٧ كرهًا فى عبدالناصر

جريدة الدستور

- الإخوان اتهموا عبدالناصر بأنه كان يريد القضاء على الإسلام
- عندما رأيت عمر التلمسانى أول مرة وجدت الجميع يقبلون يده


ما أبشع أن تقضى على حياة إنسان، ولكن الأبشع أن تقضى على إنسانيته، أما الجريمة الكبرى، فهى أن تقضى على إنسانيته بوازع الدين، يدَّعون حب الله، ثم يقتلون ويسفكون الدماء ويسرقون ويدمرون، وهم يغلفون كل ذلك بورق سوليفان أخضر شفاف اسمه «حب الله»!.
كان اللقاء الثانى بالحاج سعد لاشين فى مكتب أحد الإخوة المحاسبين فى منطقة وسط البلد، أصبح فيما بعد مكتبًا لأحمد سيف الإسلام حسن البنا، وكانت الجلسة تضم بعض الإخوة الكبار، حيث طلبوا كميات كبيرة من الكباب والكفتة من أحد محلات الكباب الشهيرة، وبعد الطعام قال الأستاذ محمد هلال الذى كان فى مقدمة الحاضرين: «الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين»، ثم أردف ضاحكًا: «ثم جعلنا من الإخوان المسلمين». ولكن أحد الحاضرين استكمل موجهًا كلامه لأحد الحاضرين قائلًا: «أكل طعامكم الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة يا حاج عبدالبديع إلا جبريل»، فقال سعد لاشين: «وإشمعنى جبريل يعنى، مش عايزه يصلى على عمنا عبدالبديع صقر ولاَّ إيه؟»، فقال الأخ ضاحكًا: «يصلى عليكم جبريل يا سيدنا ولكن بعد أن تأتونا بالشاى»، وضحك الجميع، كانت تلك الجلسة غريبة جدًا بالنسبة لى، فلم يكن فيها أحد من عمرى تجاوز أصغرهم الخمسين، وعرفت فيما بعد أن الداعى لهذا الغداء هو الحاج «عبدالبديع صقر» أحد كبار الإخوة، وكان يعمل فى قطر منذ أن هرب إليها عام ١٩٥٤ ولم أر هذا الحاج من بعدها إلى أن مات فى منتصف الثمانينيات.

انصرف بعض الحاضرين، ولم يبق فى المكان إلا أنا وسعد لاشين ومحمد هلال والداعى الحاج عبدالبديع، ثم بدأت الجلسة بأن حَمَدَ الحاجُ عبدالبديع اللهَ وصلى على النبى ثم طلب منا أن نتعارف، وتعجبت من هذا الطلب. فأنا أعرف الحاج سعد والأستاذ هلال، ولكن كانت هذه هى طريقة الإخوان ليزيلوا الحرج من أى شخص، وبدأ الداعى بتعريف نفسه قائلًا: أنا أخوكم عبدالبديع صقر من الشرقية، وقد أكرمنى الله منذ أن بدأ عبدالناصر، ثم استدرك قائلًا: عليه من الله ما يستحقه، وأردف: منذ أن بدأ فى حربه على الإسلام وقد أكرمنى ربى بالفرار بدينى إلى قطر، وهناك عملت بالتدريس وأنشأت لهم منظومة إسلامية إخوانية وأعطانى الأمير أكرمه الله الجنسية القطرية، ثم أخذ الرجل يتحدث عن الخلافة الإسلامية وكيف ضاعت منا، زاد بأن الخلافة من أركان الإسلام، لأن الإسلام دين ودولة، ثم استطرد عن المؤامرات التى تُحاك ضد الإسلام ومنها مؤامرة عبدالناصر الذى كان يريد القضاء على الإسلام تمامًا، ولكن الله قضى عليه مرتين، مرة بالهزيمة من اليهود فى يونيو، ومرة بالموت، ثم قال وكأنه يتغزل: الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا، طريقنا إلى الجنة محفوف بالدماء التى تُراق فى سبيل الله، اسمعوا منى حديث الرسول: «من لم يغز ولم تحدثه نفسه بالغزو فقد مات ميتة جاهلية» والله أمر الرسول بأن يقاتل الكفار حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، والذى نفسى بيده إننى أرجو من الله أن أموت وأنا فى ساحة الجهاد لأذهب مباشرة إلى الجنة، فألتقى النبى صلى الله عليه وسلم، وأتزوج من الحور العين، هل هناك أعظم من ذلك؟ ثم تحدث عن الحاكمية وكيف أن كل الحكام الذين يحكمون بلادنا هم من أعتى الكفار، لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله، وكعادتى التزمت بالإنصات طوال الجلسة، إلا أننى سألته عن التصوف كطريقة نتقرب بها لله ونستشعر من خلالها حبه.
فقال وكأنه ينهرنى: «لهو أنت صوفى يا ولد؟».
فاجأتنى اللهجة وجعلتنى أرتبك، إلا أننى تماسكت وقلت: مش بالضبط، أنا أحب الذكر والعبادة لأنها تجعل فى قلبى حلاوة.
فوجدته يقول: كان هناك رجل صوفى عاش حياته متفرغًا للعبادة، وكان قد أرسل لشقيقه أن يأتى إليه فى الحرم ليتعبد لله، فأرسل له شقيقه يقول.
يا عابدَ الحرمين لو أبصرتْـَنا...... لعلمتَ أنَّكَ فى العبادةِ تلعبُ
مَنْ كانَ يخضبُ خدَّه بدموعِه.... فنحورنُـا بدمـائِنا تَتَخْضَبُ
ريحُ العبيرٍ لكم ونحنُ عبـيرُنا... رَهَجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ
ثم استكمل الشيخ قائلًا: نحن نتعبد لله بالجهاد فى سبيله، وطريقتنا هى الإسلام الصحيح، أما من يرد طريقة الإسلام المريح فله أن يتفرغ للعبادة، نحن أصحاب الدعوة يا ولد، نحن أصحاب الحق، نحن الفرقة الناجية، وأخذ صوت الرجل يرتفع ويرتعش، وسعد لاشين يقول له: هوِّن عليك يا أخى، وانتابتنى حالة خوف حتى أننى كدت أترك المكان وأفر بنفسى، إلا أننى سمعت صوت جرس الباب فسكت الشيخ، وبعد هنيهة جاء الفرّاش يجرى وهو يقول: الأستاذ المرشد جاء، ودخل خلفه الأستاذ عمر التلمسانى فوقفنا جميعًا، وفوجئت بالكل ينحنى ويُقبل يد الرجل، وظللت واقفًا لحظة وكأنها الدهر كله، هل أنحنى وأُقبل يد المرشد أم لا أفعل، ثم كان ما كان.