رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حامد عبدالعال.. العوا يدافع عن الرجل الذى قتل رفعت المحجوب بـ 80 طلقة

حامد عبدالعال
حامد عبدالعال

- حامد عبدالعال عاد إلى أسوان بعد الإفراج عنه

الزنزانة قاحلة جرداء منزوعة من كل شىء اللهم إلا أربعة جدران صخرية.. وحين تجد نفسك وأنت محشور بين صخورها، ودموع الليل تنضح وجهك بالنار، لن تنسى أبدًا من كانوا حولك.. كلماتهم.. ضحكاتهم.. غلالات الحقد والغضب التى كانت تخرج من بعضهم.. الأمل المأمول الذى كانوا يتحدثون عنه، لذا ستثب بعيدًا، ولا تدون فقط ما دار بينك وبينهم، لكنك تبنى تصورات فاعلة بديلة تتخطى تلك الأخطاء المقيتة الساذجة، وتخرج من مفهوم الزنزانة المهيمن على نفسك، وتستعيد حريتك، وتهرب من ماضيك الأليم، وساعتها ستصبح حياتك المتناقضة خطًا واحدًا وليس اثنين، لذا كانت هذه الحلقات، التى أعكس فيها بمرايا مصغرة، صورة الرجال حولى فى تاريخى القديم، الذى لم يكن ساعتها قد انتهى بعد.

التقيت حامد عبدالعال أحد المشاركين فى عملية قتل رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، فى سجن المنيا العمومى فى عام ٢٠٠٦ وكان ناقمًا على كل شىء مما حصل وجرى من مواجهات، وأكد لى أنه شخصيًا لم يكن يعرف أى شىء عن الشخصية التى سيغتالونها!.
يومها سألته عن الذى يضايقه فقال لى: إدارة السجن تمنع تعاملنا مع أى جنائى، ونحن كما تعلم نستغل هذا التعامل فى بيع أشياء لهم نصرف بها على أهلنا فى خارج السجون والسبب فى ذلك التنافس بين الإخوة على استئثار الجنائيين.
هل تم وضع حل لهذه المشكلة؟
- اقترح أحد الإخوة الكبار أن نقوم بعمل شراكة بين الإخوة وشبهها بالشراكة الأوروبية.
شراكة أوروبية فى السجون؟!
فهمت منه يومها أن الإعلام ومعالجته كان سببًا رئيسيًا فى ذهابه لأفغانستان، كما أنها كانت البلد الآمن، الذى يملكون فيه التحرك بحرية، وأن فصائل الأفغان كانوا يستخدمون العرب فى أهداف طائفية، وذلك فى الصراع الدائر بين الطاجيك والأوزبك والبشتون، وقد حاولوا كثيرًا أن يقفوا على الحياد إلا أنهم فشلوا.
وجدت فى عينيه الندم وعدم الرضا عن الذى حصل، وهو يقص علىّ ما جرى: ركبنا دراجتين بخاريتين، وحملنا أسلحة آلية، ولما جاءتنا إشارة من فوق الكوبرى الذى سيمر عليه عبدالحليم موسى، وزير الداخلية الأسبق، سارعنا بحصار السيارتين، ثم ترجلنا، ورحنا نطلق النار على من فيهما بلا رحمة، ثم اكتشفنا أنه رفعت المحجوب، فأخذنا نكبر.
وأضاف لى قائلًا: من بين ٤٠٠ طلقة خرجت من أسلحتنا استقرت ثمانين طلقة فى جسد الرجل وحارسه الشخصى، وساعتها كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة صباح الجمعة ١٢ أكتوبر عام ١٩٩٠، أثناء توجهه إلى فندق المريديان لمقابلة رئيس مجلس الشعب السورى، وقتلناه أمام فندق سميراميس بكورنيش النيل.
أكمل: محمد عبدالفتاح هو من أعطانا إشارة بدء العملية من فوق الكوبرى، وممدوح على يوسف وصفوت عبدالغنى كانا يشرفان على المجموعة بالكامل.
سألته كيف هرب؟ فأجاب:
- بعد إطلاق النار، استقل الجميع الدراجات البخارية، وهربوا فى الاتجاه المعاكس، وأنا لم أستطع اللحاق بهم، فأجبرت سائق تاكسى بالسلاح على اصطحابى، وأمام إشارة فندق رمسيس هيلتون، نزلت من السيارة الأجرة، وأشهرت سلاحى، حين حاول بعض المواطنين الإمساك بى، وأطلقت عدة رصاصات بالهواء، واستغللت زحام يوم الجمعة فى المول التجارى للفندق، وتسللت منه إلى خبايا المنطقة العشوائية القريبة واختفيت.
إلا أن العميد «عادل سليم» من قوات مباحث القاهرة، تلقى بلاغًا بغرق شاب فى النيل فحضر إلى الموقع بصحبة الملازم أول «حاتم حمدى» للمعاينة، وأخبره الأهالى عنى فطاردنى، إلا أننى استطعت قتله، وأصبت مساعده.
فى ٢٢ أكتوبر من نفس الشهر عام ١٩٩٠ فوجئنا بوزارة الداخلية تعلن فى مؤتمر صحفى عن سقوط البعض من مجموعة الاغتيال، فى مناطق المعصرة بحلوان، وكعبيش بالهرم، وقتل محمد صلاح ومحمد عبدالفتاح، بعد معركة مع الشرطة أمام جامعة القاهرة، والقبض على محمد النجار مصابًا.
اعترف محمد النجار بكل شىء يعرفه، وأوصلهم إلى أماكن باقى المجموعة، إلا أن المحكمة لم تأخذ باعترافاته.
يتذكر عبدالعال جلسات المحاكمة، التى حوكم فيها ٢٧ عنصرًا من التنظيم، فى يوم ١٠ يونيو ١٩٩١ وبعد ١٠٠ جلسة انتهت المحكمة إلى قرارها فى ١٠ يونيو ١٩٩٣ إلى براءة ١٧ متهمًا وسجن عشرة من ٣ إلى ١٥ سنة.
سألته ما دورك بالقضية؟
كنت المتهم الرابع، وكان المحامى الذى يدافع عنى هو الدكتور سليم العوا، والأستاذ سليم الهلالى، وحكم علىّ بثلاث سنوات سجنًا، حيث لم يثبتوا علىّ تهمة القتل، وأثبتوا علىّ تهمة التزوير فى محررات رسمية، والسبب الأهم، هو أخونا محمد النجار، الذى كان دائمًا ما ينشد أنشودة غرباء من تأليف سيد قطب أثناء المحاكمة، واعترف تفصيليًا، لكنه عاد وأنكر، وقال: إن اعترافاته جاءت تحت وقع التعذيب، وحكموا عليه بـ١٥ عامًا سجنًا.
يضيف: هناك ٦ من زوجات الإخوة اعترفن على أزواجهن، ومنهن زوجة ممدوح يوسف التى اعترفت بأن زوجها أخبرها بقتله للمحجوب واعترفت فى النيابة، لكنها عندما حضرت إلى المحكمة أنكرت، وأحضرت نصًا قانونيًا يقضى ببطلان شهادة الزوجة على زوجها إذا أسر إليها بسر، وتكون شهادتها باطلة مثلها مثل الطبيب، أو المحامى!.
لم يكن حامد عبدالعال ورفاقه يميزون بين مفهوم الجهاد الواسع الذى يعنى بذل الجهد والمشقة وبين معنى القتل والقتال فى هذه الفترة، وكل ذلك كان يحتاج معالجة دقيقة. أفرج عن حامد عبدالعال، وعاد إلى بلده أسوان، واختفى، كما اختفى محمد النجار، وآخرون اشتركوا فى هذه العملية الشنيعة.