رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. هل يرتدي الله نعلا من ذهب وثوبا أخضر؟

جريدة الدستور

ذهبتُ وبعض الأصدقاء لصلاة الجمعة فى مسجد سيدنا الحسين فالتقينا بشاب أكبر منا، إذ كنا ما زلنا فى بداية مراهقتنا وكان هو فى منتصف العقد الثالث من عمره، تعارفنا سريعا أمام ضريح الحسين، وحينما تعارفنا عرفت أن اسمه فرحات سرى الدين وأنه من قرية طحانوب بالقليوبية وأنه خريج الأزهر الشريف ويحفظ القرآن كاملا.

أخذنا نتبادل أطراف الحديث فعرفنا أنه ينتمى للطريقة الشاذلية، جعل «فرحات» من نفسه شيخًا على مجموعة من المراهقين فأخذ يلقى علينا خاطرة طويلة عن الله، وكان مما قاله: الله هو الجمال ذاته ولا جمال فى الكون إلا جماله، وصورته هى أحسن صورة، فقاطعته على الفور: وهل لله صورة؟، هل يستطيع أحد أن يصفه؟، قال: «صورته؟ هل تريدون معرفة صورة الله؟، إنه شاب أمرد أى ليست له لحية، وشعر رأسه كثيف ويرتدى نعلا من ذهب وثوبا أخضر»، كتمنا ضحكات كادت أن تفلت منا إلا أن شيخنا الشاب لاحظ عدم تصديقنا، فبادر قائلا: أنا لا أقول شيئا من عندى، هذه هى الصورة التى وصفها سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم لله.
فقال أحد أصدقائى: يمكن كان منام يا شيخ.
رد الشيخ الشاب: رؤيا الأنبياء حق، كما أنه ليس سيدنا الحبيب وحده الذى رأى الله، فالإمام ابن حنبل إمام أهل السنة رآه مئات المرات فى المنام بنفس هذه الصورة، وكثير من أئمة الصوفية رأوه فى المنام وهذه كرامة لا يصل إليها إلا من وصلوا إلى «حق اليقين». لم نجادل الشيخ ولا خطر على بالنا أن نسأله عن معنى حق اليقين، فقد وقع فى ظننا أنه من مجاذيب الحسين، فكان أن تركناه وانصرفنا إلى حال سبيلنا ونحن نضحك على تلك الصورة المتخيلة عن الله رب العالمين. ولكن كلمات الشيخ ظلت تؤرقنى، فأخذت أبحث فى مكتبة «الزيتون العامة» عن كتاب للحديث إلى أن وقعت بعد شهر على هذا الحديث فى أحد الكتب منسوبا للرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذتنى رجفة، هل من الممكن أن تكون هذه هى صورة الله سبحانه؟، وكيف يتشكل فى صورة ما؟، ولكن عقلى الصغير الذى لم يستسغ هذا التصوير لله لم يستطع فى ذات الوقت تكذيب حديث ورد فى أحد كتب التراث عن ابن حنبل وغيره من رواة الأحاديث!.
كنت وقتها فى الصف الثالث الإعدادى بمدرسة الزيتون الإعدادية، وكان مدرس اللغة العربية فيها من أحب الناس إلى قلبى، الأستاذ محمد حسنين عليه رحمة الله، وكان معى فى الفصل الدراسى غلام هادئ الطبع متفوق فى دراسته أصبح فيما بعد إخوانيا فكرا وتنظيما هو الدكتور «حاتم عبداللطيف» وزير النقل والمواصلات فى عهد مرسى، قلت لحاتم ما عرفته عن شكل الله وصورته وكأنى أقص عليه سرا حربيا، فكان أن ذهبنا للأستاذ محمد حسنين فى حجرة المدرسين وقصصت عليه ما حدث، فقال بحسم: هذه خرافات، الله لا تدركه الأبصار، ولا يستطيع أحد أن يراه فى المنام ثم يصفه، لأنه عندما يصفه يكون قد جعله مثل «شىء» والله قال: «ليس كمثله شىء»، فقط تستطيع أن ترى الله بقلبك، ترى الله فى كل شىء جميل فى الكون، ترى حكمته وعظمته ورحمته، فإذا رأيت كل هذا يجب أن تحبه.
قلت له: ولكن الرسول رأى الله فى المعراج، الشيخ الشعراوى قال كده.
قال الأستاذ: المسألة فيها خلاف، ومع ذلك أنا موافق أن الرسول رأى الله فى المعراج ولكن ليس ببصره، ولكن بفؤاده، كما أنه لم يره فى الدنيا ولكنه رآه عند سدرة المنتهى، يعنى الرسول نفسه ما كانش ساعتها بهيئته البشرية، بل كان نورا يا ولاد.
وفى نهاية اليوم الدراسى ونحن فى طريقنا للبيت قال لى حاتم: فيه شيخ اسمه عبدالحميد كشك فى مسجد فى حدائق القبة، تيجى نصلى الجمعة عنده، دا شيخ جامد، فذهبت إلى الشيخ كشك ولم يذهب معى حاتم، ذهبت وأصابنى الذهول.