رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي: حين قررت أن أعاقب الله تركت الصلاة لمدة عام

في حفل عقد القران
في حفل عقد القران

- كتاب حول وفاة الرسول تسبب فى ابتعادى عن الصلاة
- تعاطفت مع «الإخوان» بسبب «حكايات الأقارب»

بعد أن أصبحت صبيًا يافعًا قرأت كتابًا اسمه «محمد فى طفولته وصباه» للمحامى الأديب شوكت التونى، وقد أدخلنى هذا الكتاب إلى عالم الحب من أطهر أبوابه، فقد أحببتُ من خلاله سيدنا محمدًا، صلى الله عليه وسلم، حبًا ملك شغاف قلبى، وبدا لى وقتها أن حبى انتقل من الله إلى رسوله، فسيدنا محمد أستطيع أن أقرأ سيرته، وأعرف شكله وطوله، وأتبين أخلاقه ونُبله وشهامته وفروسيته وأمانته وصدقه، الرسول شخص، ولكن الله كان بالنسبة لى معنى لم أستطع تبينه.

الله كان هو المعنى المجرد، والعقول الطفولية لا تستطيع إدراك التجريد، ولكن سيدنا محمد كان هو المعنى المُشَخّصْ، والعقول الطفولية لا تفهم إلا من خلال التشخيص، ولكن كانت صدمتى كبيرة وأنا أقرأ فى كتاب آخر عن وفاة الرسول، فإذا بالصورة المُشخصة التى أحببتها تنهار أمامى، تذهب إلى ذلك العالم المُلغز المُحيِّر، عالم الموت، بكيت كثيرًا وأنا متكوم على فراشى فى حجرتى، لماذا لحقك الموت يا حبيبى يا مُحمد؟ لماذا لم يجعلك الله تعيش بيننا خالدًا إلى يوم القيامة؟ أيُعطى الله هذا الحق لإبليس ويسلبه منك؟ ناجيته كثيرًا وبكيته كثيرًا، وعاتبتُ الله على تركه حبيبى يموت، ثم امتنعت بعد ذلك عن الصلاة، وكأننى كنت أعاقب الله على موت حبيبى، وظل امتناعى عن الصلاة ممتدًا لعام كامل.
وفى غضون عام ١٩٧١ زارنا أحد أقارب أبى من «البلد» وكان رجلًا صوفيًا طيبًا يقضى ليله فى الصلاة، ويقطع صمته بالتسبيح، وكنتُ أرى نورًا مُحببًا يشع من وجهه حتى إننى كنتُ أخجل من إطالة النظر إلى وجهه، وانتهزتها فرصة فسألته عن موت الرسول، نظر لى وقد تعجب من السؤال ثم قال: إن الله ذكر موت الرسول فى القرآن، والموت حق على كل الخلائق، ثم قرأ علىَّ الآيات التى ورد فيها موت الرسول وقال: إن الله توفاه، أى أخذه إليه، والوفاة من الاستيفاء، واستكمل شرحه بأن الله أخذه عنده لأنه اشتاق إليه.
قلت: من الذى اشتاق إلى من؟
ـ كلاهما.
ـ ولكن الله يرانا دائمًا فكيف يشتاق إلى من يراه؟! ثم هل رأى الرسولُ اللهَ؟
ـ نعم رآه فى المعراج.
لم تكن هذه الكلمات البسيطة كافية للرد على سؤالى، ولكنها أعادت لى مرة أخرى شغفى السابق لرؤية الله، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم رآه، فلماذا لا أراه أنا الآخر؟!.
بعد انتهاء زيارة قريب أبى لنا عدتُ إلى الصلاة مرة أخرى وكأن مدة عقابى لله سبحانه قد انتهت غير مُدرك أننى كنت أعاقب نفسى من حيث لا أدرى، وعدتُ مرة أخرى أبحث عن الله، أريد أن أراه كما رآه الرسول، أريد أن أراه لأحبه، فكيف لى أن أحب من لا أراه؟ ثم حدث بعد هذا التوقيت أمران، الأمر الأول هو تلك الأخبار التى أخذت الصحف تنشرها عن الإفراج عن قيادات وأفراد جماعة الإخوان، وكنت أسمع عن الإخوان من خلال بعض حكايات الأقارب، وكان الأمر المتكرر فى كل الحكايات هو أن عبدالناصر سجنهم وعذبهم لأنهم يحبون الله ويريدون نشر الإسلام وتطبيق شريعته فى البلاد! وقد أخذتنى الشفقة بتلك الجماعة التى قالت الحكايات عنها إنها مضطهدة فأخذت أبحث عن كتبها على ظنٍ منى أنها جماعة صوفية أو على أقل تقدير دعوية.
أما الأمر الثانى فهو ظهور شيخ عجيب فى برنامج «نور على نور» تكلم مع الناس بشكل مختلف عن باقى الشيوخ، أرهفتُ السمعَ إليه وهو يتحدث عن المعراج ورؤية الرسول لله رب العالمين، كان هذا الشيخ هو «محمد متولى الشعراوى» ومن خلاله دخلت إلى عالم الشيوخ لعلى من خلالهم أرى الله.