رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا دمشق من القاهرة


يبدو أن رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية قد تحولوا إلى متخصصين فى هدم الدول العربية وتدمير حضاراتها.. البداية كانت العراق، حيث تولى بوش الأب والابن وبينهما كلينتون تدمير العراق جيشًا وشرطة ودولة وحضارة.. ثم جاء أوباما ليكرر نفس الفعل مع ليبيا، واليوم يأتى ترامب ليحاول هدم سوريا والقضاء على حضارتها ووقف انتصارات جيشها ضد الجماعات الإرهابية التى دخلت القوات الأمريكية سوريا بزعم محاربتها.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أكثر تخصصًا فى هدم الدول العربية، إما مباشرة أو عبر إسرائيل وأخيرًا عبر عصابات الإرهاب التى تحمل اسمًا إسلاميًا.. تخصصت أمريكا فى تدمير الشعوب العربية، وللأسف بتمويل عربى وبشعارات إسلامية، وتحت دعوى نشر الديمقراطية والقضاء على الديكتاتورية هدمت العراق.. وبعد سنوات بكى العراقى الذى حطم تمثال صدام حسين على أيام صدام حسين، واليوم يدفع الليبيون سيف الإسلام القذافى ليعوضهم عن فقدهم ما كانوا يعيشون فيه أيام ديكتاتورية القذافى.. وأمس كنت مع أصدقاء سوريين كانوا ضمن مسيرات الشباب فى مارس ٢٠١١.
رأيت حزنهم على بلادهم وتركهم جامعاتهم فى سنوات تعليمهم النهائية، وتحول بعضهم من مشروع لطبيب ناجح إلى بائع فى محلات الشاورما أو باحث عن عمل فى أحد المصانع.. منهم من أصبح نادمًا على مشاركته فى أحداث الربيع الأسود، ومنهم من أصبح نادمًا على مغادرته بلده وتركه وطنه يواجه ما يواجه اليوم من محاولات التدمير. رفض بشار الأسد أن ينصاع لإرادة قطار الربيع.. وأبى أن يستسلم لأن يدهسه القطار، ووقف فى وجه سائقه الأرعن.. لم يهرب ولم يتخلَ عن بلده وواجه قدره وقدر شعبه وتحول بشار الأسد إلى هدف، وتحولت المعركة إلى إسقاط بشار أولًا ثم بحث كيفية إسقاط سوريا.. وسارعت دول للتمويل وأخرى للإمداد وسارعت الفرق الإسلامية المؤجرة إلى الدفاع المزعوم عن الإسلام، واحتلوا أكثر من أربعين فى المائة من الأراضى السورية وأصبحت دولة الخلافة الإسلامية، وجاءت العصابات من كل أنحاء العالم يقاتلون فى سبيل نشر دين هو منهم براء واتفقوا جميعًا على هدف واحد هو إسقاط بشار ومن ثم إسقاط سوريا.. كانت سوريا وبشار- ومازالا- يحاربان أقوى أجهزة المخابرات وعصابات مجهزة بأسلحة حديثة وممولة بمليارات الدولارات.. لم تمد الدول العربية الناجية أو البعيدة يدها لبشار بل أسهمت فيما يحدث، إما بالصمت أو بدفع أبنائها للقتال كما فعل محمد مرسى فى عامه الأسود يوم أعلن الجهاد من استاد القاهرة صارخًا لبيك سوريا.. وصمت الآخرون وتحولوا إلى ممولين بمليارات الدولارات لعصابات الإرهاب، صمد الشعب السورى الأبى ومن تبقى من جيشه العربى الذى يحمل لقبًا آخر الأقرب إلى قلوب المصريين.. الجيش العربى السورى الذى يسعى المقامرون لتدميره هو الجيش الأول فى منظومة الجيوش المصرية منذ أيام الوحدة فى الستينيات.. صمد الشعب والجيش والعاصمة المحاصرة بعصابات.. ست سنوات وسوريا تتمزق، كل يوم وكل ساعة تمر تعنى سقوط قرية أو مدينة فى أيدى داعش أو مناصريه.. مد بشار يده لإيران لتسانده.. إيران كانت تبحث عن موطئ قدم وعن تأمين لخطوط الغاز وعن الغاز نفسه فى سوريا، وجاءت روسيا الحليف الأهم للرئيس السورى لتمد يدها ليس بالمعاونة الفنية، بل أيضًا بالعتاد والسلاح والقوات، وعلى مدار العام الأخير استطاع الجيش العربى السورى استرداد حلب فى معركة طويلة امتدت شهورًا بين حلب تحترق وحتى حلب تتحرر، وبعد تحرر حلب ومحاصرة دير الزور والرقة وإدلب جاء الدور على الغوطة الشرقية التى شهدت إعادة لسيناريو حلب بالتفصيل ما بين الحصار ثم تقسيم المنطقة ثم دفع المسلحين إلى طلب الرحيل سواء بأسلحتهم الخفيفة أو مع أسرهم. وكانت الوجهة كالسابقين إلى ريف إدلب حيث يتواجد أغلب المسلحين الخارجين من حلب واتجه البعض إلى طرابلس بعد رفض الموجودين فى إدلب استقبالهم لخلافات سابقة.. انتصار الجيش العربى السورى فى الغوطة واتجاهه إلى القلمون الشرقى كان يعنى وجودًا أكثر ثباتًا لبشار الأسد وقدرة أكبر على التوجه إلى الجنوب للسيطرة على درعا ومحيطها ثم العودة إلى شمال سوريا لمواجهة تركيا وحصار المسلحين الذين تجمعوا إلى منطقة واحدة وأصبح من السهل مواجهتهم وتدميرهم.. هذا كان يعنى شيئًا واحدًا فشل كل مخططات أمريكا وفرنسا وإسرائيل وبريطانيا ودول أخرى كانت تسعى لتقسيم سوريا فعليًا وتدمير ما تبقى من جيشها.. هذا يعنى أيضًا نهاية مؤلمة لرحلة الربيع العربى بعد أن استطاعت مصر منع وقوفه بها وأجبرته على الرحيل سريعًا عن أراضيها.. انتصارات الجيش العربى السورى تعنى أيضًا قوة تواجه أطماع تركيا وربما تضر بأمن إسرئيل وهدوء حدودها.. لذا كان الاتفاق على وقف ذلك التقدم حتى ولو كان الثمن آلاف الشهداء من النساء والأطفال وتدمير البنية الأساسية للدولة والقضاء على جيشها.
أيًا كانت التوقعات.. القادم لن يكون جيدًا للمنطقة، ولكن الأهم أن سوريا شعبًا ودولة ستظل صامدة والقاهرة لن تترك دمشق تسقط، فالتاريخ شاهد على ذلك وعلى مدى قوة ومتانة علاقة الدولتين والشعبين.. القادم فى كل الأحوال هو صيف ساخن جدًا سيتحمله الشعب السورى البطل وهو قادر ولن يتحمله المرتزقة الذين سيظلون يستنزفون الممولين حتى آخر دولار لديهم ويومها سيتركونهم لشعوبهم تحاسبهم.. سوريا قادرة على الصمود وعلى النصر وعلى أن تعود الشام الرائعة بجنانها وثقافتها وعروبتها.