رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من دوما إلى القلمون.. سوريا تتحرر


دوما المحطة قبل الأخيرة للفصائل المسلحة السورية فى منطقة الغوطة الشرقية التى شهدت اليومين الماضيين خروج ١٥ ألف مسلح وبصحبتهم ٦٠ ألف مدنى.. المفاوضات بين الشرطة العسكرية الروسية والجيش العربى السورى ووجهاء البلدات التى كانت تقع تحت سيطرة الفصائل انتهت بخروج هؤلاء من جرابلس فى شمال سوريا.
المسلحون ينتمون لجيش الإسلام والذى كان يشكل إحدى كبريات الفصائل فى الغوطة الشرقية وكان آخر هذه الفصائل وأكثرها رفضًا للانسحاب.. المفاوضات التى استمرت أيامًا وانتهت بقبول مسلحى تنظيم جيش الإسلام الخروج من دوما التى كانت تشكل أكبر معاقل الإرهاب فى الغوطة الشرقية.
المفاوضات كانت تشمل تأمين الخروج ولكن كانت هناك شروط عديدة تم رفضها، ومنها اصطحاب أسلحة ثقيلة، والأهم كانت أموال قدرت حسب بعض المصادر بنحو ٩٠٠ مليون دولار كانت بحوزة التنظيم.. كان هذا الشرط أهم الشروط التى رفضها الجيش العربى السورى وتم تفتيش الحاملات الخارجة عدة مرات للتأكد من عدم تهريب مبالغ كبيرة معهم.. هذا المبلغ يؤخذ كدليل قوى على كبر حجم التحويل والدعم لعناصر الفصائل فى سوريا.. الخروج لم يكن أيضًا ضمن شروط طلبها جيش الإسلام.. ولكنه فرض عليهم بعد رفض مناطق خفض التصعيد فى إدلب أو جنوب سوريا.
وإذا كانت دوما هى المحطة قبل الأخيرة فى الغوطة، فما المحطة الأخيرة للفصائل المسلحة والتى تتجه إليها العين الآن؟.. المحطة الأخيرة ليست بالسهلة فيوجد بها عشرة آلاف مسلح ينتمون لداعش ويتواجدون بمنطقة الحجر الأسود، والذى من المرجح أن يشهد عملية عسكرية كبرى بمشاركة المسلحين الذين قاموا بتسوية أوضاعهم، يأتى ذلك وسط الإعلان عن وجود المسلحين فى مناطق بيت سحم وبييلا ويلدا ومخيم اليرموك والحجر الأسود، وسيشارك جيش التحرير الفلسطينى ولواء القدس فى عملية تحرير المخيم الذى يعتبره المحللون عاصمة الشتات للفلسطينيين الموجودين داخل سوريا والمقدر عددهم بنحو المليون نسمة.. السيطرة على الغوطة الشرقية خلصت العاصمة دمشق من أكثر البؤر الإرهابية تهديدًا لأمنها واستقرارها، حيث كانت الفصائل المسلحة والموجودة والمسيطرة على ١٣ بلدة وقرية تستهدف العاصمة دمشق وضواحيها بعشرات القذائف يوميًا، مخلفة مئات الشهداء والإصابة بإعاقات كاملة، فضلًا عن حالة الذعر التى كانت تسود العاصمة ساعة إطلاق القذائف والتى كانت غالبًا ما تأتى مع خروج الموظفين أو الطلاب.
تحرير الغوطة لا يعنى تحرير الأرض فقط ولكنه إعادة تأهيل كاملة للمناطق المحررة خاصة بعد عودة المدنيين إلى منازلهم وأراضيهم، مع الأخذ فى الاعتبار هوية منطقة الغوطة الزراعية.. الأهم كان عودة ما يقرب من ١٥ ألف طالب لمدارسهم لتمد الحكومة العام الدراسى لشهرين آخرين.. السؤال المطروح الآن: ما الخطوة القادمة بعد حلب والغوطة؟!.. من المؤكد أنها ستكون القلمون الشرقى ذات الأهمية الكبيرة لكونها بداية البادية السورية التى تمتد حتى الحدود الأردنية العراقية وبادية البوكما وبوابة ريف حمص الشرقى وبوابة الغوطة الشرقية، وهى بالنسبة للجيش السورى منطقة تجمع عسكرى كبير تقع على خطوط إمداد النظام البرية قبل طريق دمشق بغداد ودمشق حمص، وهى مناطق محاصرة منذ سنوات.
ومما لا شك فيه أن الجيش العربى السورى يحضر لمناورة عسكرية سريعة أو عبر تسوية لتحرير منطقة القلمون الشرقى، خاصة الواقعة بين الضمير والرحيبة وجيرود ووادى محسة.. وعلى المسلحين هناك، عاجلًا أو آجلًا، اللحاق بالسابقين فى الغوطة سواء تم ذلك مصالحة أو انسحابًا عسكريًا أو ما تبقى من مواقع للمسلحين فى حمص وحماة والرستن والتلبيسة.. فهناك فهموا اللعبة أسرع من المسلحين فقاموا بطردهم وبدأوا تحرير المناطق ولن تتأخر تلك المناطق كثيرًا عن التحرير.. أما الجنوب خاصة ما بين درعا والقنيطرة فلم تعد هناك مقارنة بين قدرات الجيش العربى السورى المتفوقة على المسلحين بشكل كامل، الأمر الذى يؤمّن لهذا الجيش الحسم العسكرى الأكيد وتبقى التعقيدات الاستراتيجية المتعلقة بالأردن وبإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأصبح واضحًا أن الأردن اقتنع بضرورة عودة سلطة الدولة السورية كاملة على حدودها معه للمصلحة الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، وهناك بالفعل عروض قدمت لفصائل القلمون بالمغادرة أو الاستسلام قبل أن تنتهى اتفاقية دوما، كما أن المتحدث باسم قوات الشهيد أحمد العبدو أكد أن فصائل القلمون تنتظر نهاية المفاوضات وطرح ورقة جديدة تضمن عدم التهجير وخروج المسلحين وبقاء المدنيين داخل مدنهم.
ما حدث بالفعل هو، كما يصف المحللون، وقف القلب النابض للفصائل، والذى كانت تمثله الغوطة الشرقية، وحين توقف هذا القلب عن النبض فهذا يؤدى إلى وقف حركة كل الأطراف.. والآن أصبحت الخلافات الداخلية بين المعارضة هى ورقة الأسد الرابحة ليستطيع السيطرة على مناطق المعارضة واحدة تلو الأخرى.. لقد انفرطت مسبحة الفصائل بدءًا من حلب، الغوطة الشرقية، دوما، وقريبا تنضم القلمون الشرقى إلى حبات المسبحة التى انفرطت، وإن كانت الحرب السورية تبدو كدوامة لا نهاية لها، إلا أن الواقع يعطى صورة مختلفة فالانتصار تلو الانتصار من نصيب الجيش السورى وربما بانتهاء هذا العام تبدو صورة سوريا الجديدة بعد صراع دام لسنوات ثمان، ونأمل ألا يطول أكثر من ذلك.