رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألوان من الوطنية فى انتخابات الرئاسة


رأينا خلال انتخابات الرئيس مشاهد رائعة وكثيرة ولا تُحصى تعبيرًا عن مشاعر الوطنية الجارفة التى يُظهرها الشعب المصرى وقت الخطر وفى المواقف التاريخية الحاسمة، لقد قدم الشعب المصرى من المحبين لوطنهم فى مصر على مدى ثلاثة أيام، لقطات نادرة وكثيرة ستظل فى ذاكرتنا دائمًا لأنها تعكس إرادة شعبية كاسحة لملايين الأسر المصرية من أجل استقرار الدولة واختيار رئيس وجيش وقف لحمايتهم وقت الضرورة من الأخطار المحدقة بهم، إلا أن مفهوم الوطنية قد اختلف التعبير عنه من فئة لأخرى ووفقًا للعمر ووفًقا للمستوى الفكرى للناخبين والناخبات.
هناك بعض اللقطات أتوقف عندها لأنها ذات مغزى مهم وعميق، وفى مقدمتها الرقص التعبيرى فى الشوارع للسيدات والبنات والذى أعتبره أبلغ تعبير عن فرحة الانتصار لمصر وفرحة الخروج للانتخابات الرئاسية، وأبلغ تعبير عن رأيهن فى اختيار مرشحهن بل هو أبلغ تعبير عن حب الوطن وعن حب الحياة وعن حب الفنون، وهو سمة فى الشعب المصرى حاول الظلاميون أن يلغوها عنوة وأخرجوا لها تفسيرات من خلال دُعاتهم المتطرفين، الذين كانوا يظهرون علينا بوجوههم المتجهمة والقبيحة وذقونهم الطويلة ليقدموا تفسيراتهم المتطرفة على الفضائيات أو على مواقع التواصل الاجتماعى أو على عشرات المواقع التى قاموا بإنشائها خصيصًا لتكون منابر لتصدير أفكارهم الظلامية، والتى امتلأت بكلام محبط وكئيب بأن الفنون حرام، والاختلاط حرام، ووصلات مطولة فى تحقير شأن المرأة أو تهميش دورها أو الدعوة لتعدد الزوجات إمعانًا فى الحط من مكانة الزوجة أو الدعوة لزواج القاصرات.
إن هذه اللقطات للمرأة المصرية فى انتخابات الرئاسة- والتى ظهرت فيها الأمهات والشابات وهن يحملن الأعلام المصرية وصورة الرئيس الذى وجدن فيه تقديرًا واحترامًا لهن، بينما يغنين الأغانى الوطنية بفرحة وبهجة وتلقائية- هى أكثر ما أثار غيظ الظلاميين وأفراد الطابور الخامس والحاقدين والوجوه المدعية الوطنية، والتى كشف زيفها الشعب المصرى خلال الفترة الأخيرة، وتوالت نوبات الهجوم والتهكم على الوطنيات من البنات والأمهات والمسنات اللاتى يحتفلن بمصر فى الشوارع فى كل المحافظات.
إن مشهد المرأة المصرية فى انتخابات الرئاسة هو مشهد تاريخى لا يُنسى ويستحق أن يوضع فى فيلم سينمائى أو تسجيلى حتى يتم توثيقه فى سجل تاريخ الوطن، وفى سجل دور المرأة فى الرد على أعداء الاستقرار والأمان لها ولأسرتها ولأبنائها، إن المرأة المصرية قد برهنت على أنها هى صمام أمان مصر فى مواجهة كل محاولات الإسلام والعودة بهن للوراء، وإنها أكبر داعم شعبى للرئيس.
وأتوقف أيضًا عند بعض مشاهد أعجبتنى، منها مشهد السيدة المصرية التى طلبت الإسعاف لاصطحابها إلى لجنتها للإدلاء بصوتها، وظهرت فى بعض الفضائيات وهى تدعو الناخبين للنزول والذهاب إلى اللجان للإدلاء بأصواتهم، وانتخاب الرئيس.
أنا أعرف هذه المصرية الوطنية الأصيلة، إنها «فاتن منصور»، وهى مصابة بجلطة فى المخ تعوق حركتها، وسبق أن التقيت بها فى بيت إحدى الصديقات، إنها نموذج مشرف للوطنية وأتمنى أن يتم تكريمها لما قامت به من واجب وطنى برحابة صدر رغم ألمها ورغم حالتها الصحية الحرجة، تحية لكِ يا سيدتى الأصيلة وتمنياتى لك بالشفاء.
وفى محافظة الأقصر، رأينا مشهدًا آخر يعكس مشاعر الوطنية لمدينة تحتوى على خُمس آثار العالم، وأضير أهلها من تبعات العمليات الإرهابية التى كانت تحدث فى السنوات الأخيرة فخرجوا يعبرون بالغناء والرقص بالعصا عن دعمهم لاستقرار الدولة فى مواجهة أعدائهم، وفى مواجهة دعوات أهل الشر بمقاطعة الانتخابات.
ومشهد آخر رائع لحشود من عمال مصانع المحلة الكبرى يجوبون الشوارع بينما تتعالى أصواتهم بالهتافات والأغانى الوطنية، إن مشاهد المسنين والمرضى الحريصين على الإدلاء بأصواتهم كل مشهد منها هو قمة الوطنية، ومشهد تلاميذ المدارس الذين يشاركون فى الأغانى الوطنية فى الشوارع هو تربية وتعليم لقيم الوطنية والانتماء للوطن.
والحقيقة أن مشاهد الرقص والطبول ومواكب الاحتفالات كانت مثل طلقات المدافع فى صدور الأعداء والعملاء والخونة، وكان لها صدى كبير داخل مصر وخارج مصر، ففى داخل مصر أضفت جوًا احتفاليًا أعاد الحيوية للشعب المصرى، وأكد حبه للحياة والفنون والغناء، وهذا يمثل أيضًا صفعة فى وجه كل دعاة التطرف والتشدد والظلام، الذين كانوا يرددون أن الغناء حرام، والنساء عورة، والرقص أكبر حرام، إن هذه التلقائية التى أظهرها المصريون بخروجهم للرقص فى الشوارع تعنى بالدرجة الأولى أننا نرفض الكآبة ونُحب الانطلاق ونهوى الفرح والغناء والرقص، وأعتقد أننا لسنا فى حاجة- كشعب محب لبلاده- أن نبرر أفعالنا أو طرق تعبيرنا عنها للخارج، فهم يدركون أنها تعبير عن شعب اختار الاستقرار والابتهاج به، وأنه قد اختار رئيسه بإرادة شعبية كاسحة- وإن قال إعلامهم المغرض أو المعادى عكس هذا- ويكفينا فخرًا أننا استطعنا أن نقدم للعالم مشاهد للشعب المصرى الحقيقى بأنه شعب محب للحياة وللفنون وللبهجة، وأصبحت بعض أغانينا الوطنية من أحب الأغانى إلى قلوبنا، ففى الشوارع حمل الناخبون والناخبات الأجهزة التى تبث أغنيتى «قالوا إيه»، و«تسلم الأيادى»، والأغانى الوطنية لحكيم ولحسين الجسمى.
إن أهم ما أثبتته الانتخابات الرئاسية فى نظرى هو إظهار الشخصية المصرية فى أجمل التعبيرات عن وطنيتها وعفويتها وحبها لهذا البلد العريق الضارب بجذوره فى عمق التاريخ، لقد كادت تختفى ملامح الشخصية المصرية خلال السنوات الأخيرة مع محاولات طمسها من قِبل أهل الشر وأهل التطرف ومِن كل مَن تآمروا على مصر، إننا فى حاجة إلى ترسيخ قيمة الوطنية وتعميقها وغرسها فى أبنائنا منذ الصغر وفى الشباب حتى لا يتم التلاعب بهم أو تقليص اهتمامهم بوطنهم العريق، الذى سيصبحون قادة له فى المستقبل القريب أو بعد سنوات قليلة، خاصة أن الدولة تبدى اهتمامًا كبيرًا بالشباب الآن.
إن مشاعر الوطنية هى التى ستبنى مصر بشكل أفضل ولا بد من الحرص على ترسيخها وتعظيمها، لأننا نريدها أن تظل فى سلوكيات الشعب المصرى طوال العام، وأن تكون منهجًا لهم فى العمل والإنتاج والوفاء لكل ما هو خير وبناء وعطاء لمصر، إننا لا نولد بشعور الوطنية فى داخلنا وإنما نتعلمه حينما نكون صغارًا فى داخل أسرتنا من أمهاتنا وآبائنا ثم فى مدارسنا.
نحن فى حاجة إلى تعظيم الشعور بالوطنية بداخل الأجيال الجديدة من الشباب والصغار، وأن تقوم الأسرة بدورها فى هذا الشأن بغرسه فى أبنائها منذ الصغر، وأيضًا فى داخل مدارسنا، ولا بد أن يكون التزامًا وواجبًا، ولا بد من وضعه داخل مناهجنا الدراسية، وفى جامعاتنا، وفى وسائل إعلامنا، وفى كل المؤسسات والوزارات، ولا بد أن تقوم الدولة ببث ذلك بأساليب مبتكرة وغير تقليدية، إننا أحوج ما نكون إلى تعظيم قيمة الوطنية وقيمة الولاء لمصر وقيمة الانتماء لها طوال العام وفى السنوات المقبلة وليس أثناء فترة الانتخابات فقط، إذا كنا نريد أن نبنى مصر حقًا وعلى أساس سليم خلال السنوات المقبلة.