رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشروع هرتزل الصهيونى لتنمية سيناء!!


تنازعت الاستراتيجية المصرية تجاه سيناء رؤيتان؛ إحداهما ترى أن من المصلحة ترك سيناء صحراء جرداء لتصبح منطقةً عازلة بين وادى النيل ومخاطر البدو الآسيويين الغزاة من الشرق. وكان أصحاب هذه الرؤية يكتفون بحملاتٍ عسكرية دورية لتأكيد السيادة المصرية على سيناء من وقتٍ لآخر.

أما الرؤية الثانية فكانت ترى الخطر كل الخطر فى ترك سيناء كمنطقةٍ عازلة، لأنها فى الحقيقة لن تصبح هكذا، وضرورة زيادة العمران فى سيناء، حتى لا تصبح سيناء منطقةً مفتوحة، أو كما وصفها المفكر الكبير جمال حمدان «ترومبيل» الغزاة إلى مصر. ولكن للأسف الشديد انتصرت دائمًا وجهة النظر الأولى، وتم ترك سيناء صحراء جرداء، لكنها لم تصبح منطقة عازلة تحمى وادى النيل، وكانت أشهر الغزوات فى العصر الحديث، غزو سليم الأول لمصر، عبر اقتحام سريع لسيناء، لنُفاجأ بالجيش العثمانى فى الريدانية، وهى الصحراء الممتدة بين منطقة العباسية ومدينة نصر!!.

وفى نهاية القرن التاسع عشر أدى ذلك الوضع الغريب لسيناء إلى ظهور مطامع صهيونية فى شبه جزيرة سيناء، حتى إن المشاريع الأولى لإنشاء دولة إسرائيل كانت تركز على سيناء وليس فلسطين، حيث أطلقت الدعاية الصهيونية على سيناء اسم «فلسطين المصرية»!!.

ومن أهم هذه المشاريع مشروع «بول فريدمان» فى نهاية القرن التاسع عشر لإقامة مستوطنات يهودية فى سيناء، هذا المشروع الذى تم اختيار اسم توراتى له للترويج لإسرائيل الجديدة، تحت اسم «أرض مَدْيَنَ»، نسبةً إلى أرض مَدْيَنَ التى فرَّ إليها النبى موسى.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد إذ بدأ «هرتزل» فى مطلع القرن العشرين مشروعه لإقامة إسرائيل بطرح فكرة أن سيناء هى الوطن القومى لليهود، وأنها الأرض المقدسة التى كلم فيها الله نبيه موسى، وهى أرض التيه التى تاه فيها اليهود أربعين سنةً، وها هم الآن يعودون إليها لإقامة أرض الميعاد، دولة إسرائيل!!.

وروَّج «هرتزل» للعالم كله أن إقامة دولة إسرائيل فى سيناء ستكون أكبر حماية لقناة السويس، من تقلبات الأوضاع فى المنطقة.

وقام «هرتزل» بإرسال بعثة استكشافية لتقديم دراسة جدوى اقتصادية وعمرانية عن سيناء. حيث أوضح تقرير البعثة الفراغ السكانى فى سيناء، وأنها أرض بلا شعب، وبالتالى إمكانية استقبال المهاجرين من الشعب اليهودى من جميع أرجاء العالم!!.

ويهتم التقرير بالإمكانيات الزراعية فى سيناء، سواء على مياه الأمطار أو المياه الجوفية. وهنا ينتقل المشروع إلى نقطةٍ هامة وخطيرة وهى ضرورة توصيل فرع مياه من النيل إلى سيناء لإقامة زراعة دائمة فيها لصالح الدولة الصهيونية الوليدة!.

ويقدم التقرير دراسة جدوى عن أوضاع الثروة المعدنية فى سيناء والسياحة الدينية، فضلًا عن رسم حدود للدولة الجديدة فى سيناء، إلا أن الحركة الوطنية فى مطلع القرن ستقف ضد المشروع وتُجبِر الاحتلال البريطانى على رفضه، لكن الأطماع الصهيونية لن تتوقف بالنسبة لسيناء.

لماذا تذكرت مشروع «هرتزل» المبكر لتنمية سيناء الآن؟، لأن أخيرًا اقتنعت الحكومة المصرية بخطورة ترك سيناء منطقة عازلة دون تنميةٍ شاملة أو مِلْءُ الفراغ السكانى. إن مشروع تنمية سيناء الذى طرحته الحكومة مؤخرًا هو مشروع تأخر كثيرًا، وهو مشروع أمن قومى من الطراز الأول، حتى لا يطمع الغزاة أو الإرهابيون فى سيناء من جديد.