رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا يكون يوم الحكومة بسنة


نحن فى فترة أحوج ما نكون فيها إلى محاسبة الذات، والإقدام على العمل بوازع من ضمير، والقيام بواجبات المهام المنوط بنا أداؤها، وأن نقدم نموذجًا جديدًا، بعيدًا عن الفكرة الراسخة عن أن (يوم الحكومة بسنة)، ووعود المسئولين تتغير، بتغير شخص الجالس على كرسى المسئولية، فى أى مكان كان، لا تختلف فى ذلك، إدارة صغيرة أو وزارة كبيرة، فالأمور والقرارات لا تخضع لاستراتيجيات عمل، إنما هى رؤية شخصية لمسئول، سرعان ما تتوقف أو تُؤجل أو تُلغى نهائيًا، برحيل شخص المسئول عن منصبه، وبالتالى نعود دائمًا لنبدأ من الصفر، ولذا فنحن، ومنذ سنوات طويلة، ما زلنا نراوح مكاننا، لأن أحدًا لا يريد أن يبنى فوق ما بناه سابقوه، وبات المبدأ هو الهدم، ونبدأ من جديد.

هذه الفكرة تتنافى مع ما تصبو إليه الدولة، وما يحلم به الرئيس من ضرورة إنجاز التنمية المطلوبة فى الدولة المصرية، بأقصى سرعة وأقل تكاليف، وبقدرة مسئول على اتخاذ القرار السليم فى الوقت المناسب، حتى يرى المواطن ثمار خارطة المستقبل التى وعده بها.. وبالفعل؛ بدأت تلوح بشائرها فيما قام بافتتاحه، حتى الآن، من مشروعات؛ هى جزء يسير من حلمه الكبير بمصر الحديثة العفية.
يوم أن كان الدكتور على عبدالرحمن محافظًا للجيزة.. كتبت عن الاستيلاء على أرض ترعة الزمر، فى المسافة من محطة المترو، قرب شارع فيصل وحتى سوق الجمال بإمبابة، مرورًا بأرض اللواء، من قِبل أشخاص، وضع كل منهم يده على مساحة مُعتبرة من الأرض، أحاطها بسور، وسرق حنفية مياه، وأحال المساحة إلى موقف سيارات، وبعضهم زاد على ذلك بمكان لغسيلها وتغيير زيوتها، بأجر شهرى لقاطنى المنطقة، من مُلاك السيارات، حتى إن أحدهم يحقق ما يزيد على عشرين ألف جنيه، عوائد شهرية، من تشغيل المساحة التى سطا عليها، وحى العجوزة لا يحرك ساكنًا، ولا يقول لى أحد إن مسئولى الحى فى غفلة عما يحدث، لأن الواقع يستعصى على الإنكار أو الإخفاء، إن لم نقل إنهم شركاء فى الجرم، إذا أردنا أن نرى، دون أن تحجب عيوننا حُجب، نحن نعلمها جيدًا.
وقتها.. كتبت للمحافظ، عن ضرورة مواجهة هذه السرقات، حفاظًا على هيبة الدولة وصونًا لأملاكها، حتى لا يتجرأ غير هؤلاء على ما هو أعظم من ذلك، مثلما كان يحدث على جانبى الطرق السريعة، لولا قرار السيد رئيس الجمهورية، بتكليف القوات المسلحة بحمايتها ومنع الاستيلاء عليها.. هذا أولًا.. أما ثانيًا، فإن كان الأمر أصبح واقعًا، لحين البدء فى تنفيذ مشروع محور الملك عبدالله، على مسار أرض الترعة، من المنيب وحتى محور روض الفرج، بتكلفة ٨٥٠ مليون جنيه، اعتمدها مجلس الوزراء أيام المهندس إبراهيم محلب، ولا نعلم إلى أين وصل هذا المشروع العملاق، الذى سيخفف الضغط المرورى على شارع السودان، وسيعمل على نقل المنطقة إلى آفاق اقتصادية وحضارية ضخمة.. كان على المحافظة السعى لتأجير المساحات المسروقة من أرض ترعة الزمر، لمن وضع يده عليها، واستغلال العوائد الشهرية لهذا الإيجار فى إنجاز خدمات بيئية لساكنى المناطق المهمشة فى المحافظة، أو فى نطاق حى العجوزة، على أقل تقدير، وبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد، اللهم إلا إذا كان هناك- كما قلت سلفًا- من يستفيد من وراء استمرار الوضع على ما هو عليه!
فى جمهورية أرض اللواء، أقصد منطقة أرض اللواء.. يفعل كل إنسان ما يشاء، دون حسيب أو رقيب، وكأن حى العجوزة، وشرطة المرافق، ومرور الجيزة، قد غاب عنها إدراك ما عليه المنطقة من مهازل.. فالمقاهى، خاصة أمام كوبرى أرض اللواء الجديد، امتدت مقاعدها بروادها، إلى قطاع واسع من حرم الطريق، لتنافس «صراصير الأرض» المعروفة بالتوك توك، فى مزاحمة المارة وعرقلة سيرهم، بل خدش حيائهم فى أحيان كثيرة.. فإذا أتينا إلى «شارع المعتمدية» المواجه للمزلقان القديم، فحدث ولا حرج، من إشغالات الطريق التى تعوق المارة عن السير فى مساحة ضيقة متبقية من عرض الشارع!
أما أصحاب عربات النقل، فقد اتخذوا من أمام العمارات موقفًا لسياراتهم، سد على أصحاب تلك العمارات منافذ الدخول والخروج، وأصبحت كل سيدة محترمة غير قادرة على الوقوف فى شرفة شقتها، حتى لا ترى ما يخدش حياءها، من أولئك النائمين فى صناديق سياراتهم، وقد انحسرت جلابيبهم عن سيقانهم، فانكشفت عوراتهم.. مأساة لا تضارعها إلا كارثة «الزبالة» الملقاة على قارعة الطريق، على مساحة واسعة أمام العمارات، تأتى إليها الأغنام لترعى فى خيراتها كل يوم، قبل أن يأتى بلدوزر الحى، صباح اليوم التالى لإزالتها، بعد أن تكون قد أعمت السكان وأزكمت أنوفهم بالروائح الكريهة، وأشاعت الذباب والناموس، وسوء المنظر، ولا نتمنى سوء المُنقلب.. ثم نتساءل عن أسباب انهيار صحة المواطن!.
أُدرك أن اللواء كمال الدالى، محافظ الجيزة الحالى، لن يغيب عن اهتمامه ما طرحناه هنا، وهو بعضٌ من كُل، سنأتى على ذكره لاحقًا، ربما إيمانًا منه أن ذلك من بين أولويات التنمية فى منطقة تسكنها فئة غير قليلة، عددًا ونوعية، طبقًا للتصنيف الديموجرافى للسكان، ويقينًا بأن هذا حق المواطن، واجب الحصول عليه، وليس مِنّة من أحد، يتفضل بها عليه وقتما شاء أو يمنعها عنه إذا خالف قناعات العقل والمنطق، وأخيرًا، وحتى لا يكون محافظ الجيزة، شأن البعض من المحافظين، «ودن من طين وودن من عجين»، خاصة أن هذه هى المرة الثالثة التى نكتب فيها عن نفس المشكلة، ليس لحاجة فى نفس يعقوب نود قضاءها، ولكنها انتصار منا لحق الوطن والمواطن معًا!. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.