رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الغطاس» مصرى.. الأقباط يبدأون الاحتفال بذكرى «معمودية المسيح»

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

يحتفل جموع الأقباط، بمشاركة المسلمين، بعد غدٍ، بـ«عيد الغطاس»، إحياءً لذكرى «تعميد» المسيح فى نهر الأردن على يد «يوحنا»، ويتميز «الغطاس» فى مصر بمجموعة من المراسم، من بينها أكل القلقاس والقصب وإنارة الشموع، وهو ما تستعرضه «الدستور» فى السطور التالية..

البابا يترأس قداس العيد فى الإسكندرية غدًا.. والاحتفالات حتى منتصف ليل الجمعة
يرأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، غدًا، صلاة «عيد الغطاس»، المزمع إقامتها فى الكنيسة المرقسية الكبرى بالإسكندرية، كما جرت العادة السنوية، وذلك إحياءً لتعميد المسيح فى نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان. ومن المقرر أن تبدأ الصلاة مساء غدٍ حتى الثانية عشرة صباح اليوم التالى، وقالت مصادر إن هناك تواصلًا دائمًا بين سكرتارية البابا وقيادات كنيسة الإسكندرية ومسئولى وزارة الداخلية لتأمين «عيد الغطاس» بشكل كامل خلال زيارة البابا.
وأعلنت الأجهزة الأمنية حالة الاستنفار لتأمين الكنائس القبطية الأرثوذكسية على مستوى المحافظات، ونسقت القيادات الأمنية مع قادة الكنائس وفرق الكشافة للتشديد على تنظيم الحركة للحاضرين، والتأكد من هويتهم الشخصية قبل الدخول من البوابة الإلكترونية التى تبعد أمتارًا قليلة عن الباب الرئيسى للكنائس. وتتضمن الإجراءات الأمنية كذلك تفتيش الحقائب اليدوية، والمرور من جهاز كشف المعادن، وذلك بعد تزويد غالبية الكنائس بجميع التجهيزات الأمنية تحسبًا لوقوع أعمال إرهابية.
ومن المقرر أن تنتهى معظم الكنائس من صلواتها مبكرًا، مع التنبيه على الحاضرين بعدم التكدس أمام بوابة الخروج، ومرور المصلين فى مجموعات قليلة العدد بعد انتهاء الصلوات.
وتشمل أيضًا الخطة الأمنية، وضع حواجز حديدية أمام الكنائس، وعدم السماح للسيارات أو المركبات أو الموتوسيكلات بالمرور فى شارع الكنيسة.
وقال أحد خدام فريق الكشافة الخاص بالكنيسة المرقسية الكبرى بالإسكندرية، إن الكنيسة راجعت جميع كاميرات المراقبة، وتأكدت من عملها بشكل كامل، مع توافر أحد المتخصصين فى الأمر طوال فترة الصلاة تحسبًا لوجود أى أعطال. كما سيتم، بحسب المصدر ذاته، تكثيف عدد الخدام فى محيط الكنيسة والساحة الخارجية، مع صدور تعليمات بمنع وقوف أى فرد أيًا كانت صفته فى محيط البوابات الرئيسية للكنيسة أو جراج السيارات أو الساحة أثناء الصلاة أو بعد انتهائها، مشيرًا إلى أن تلك التعليمات لن تقتصر على الإسكندرية فقط، بل ستعمم على جميع فرق الكشافة بجميع كنائس الجمهورية.
ومن المقرر أن يرأس الأنبا يوأنس، أسقف إيبارشية أسيوط وتوابعها، القداس الإلهى لـ «عيد الغطاس»، فى كنيسة الشهيد مارجرجس بأسيوط، ويشارك فى صلاة «اللقان» التى تبدأ فى تمام الساعة السابعة والنصف من غد الخميس، لفيف من كهنة إيبارشية أسيوط، ويترأس الصلاة بباقى الكنائس الآباء الكهنة، كل فى كنيسته.
صلوات «اللقان» المقدس هى صلاة على الماء المقدس الذى يُستخدم للتبارك، وتقام فى الكنيسة مرتين فى العام، الأولى فى «أحد الزعف»، والثانى فى «عيد الغطاس».

اللى مياكلش قصب وقلقاس يصبح من غير عصب وراس
«شوية مطر وقداس وعودين قصب وحلة قلقاس يبقى أحلى عيد غطاس».. «إلى الناس أهدى أرق إحساس عيد الغطاس ولبشة قصب وحلة قلقاس».. «اللى ماياكلش قلقاس يصبح من غير راس، واللى ماياكلش قصب يصبح من غير عصب، واللى ماياكلش يوستفندى مايبقاش أفندى».. بهذه العبارات وغيرها يتبادل الأقباط التهانى خلال احتفالهم بـ«عيد الغطاس» المجيد. ويعد «الغطاس» أحد الأعياد «السيدية» السبعة الكبرى، ويقصد بـ «السيدية» المرتبطة بالسيد المسيح، التى تحتفل بها الكنيسة على مدار العام، كما يسمى أيضًا بـ«عيد الأنوار»، وتستخدم الكنائس الشموع للتعبير عن فيض الأنوار الإلهية، التى تغمر الإنسان فى هذا العيد.
وطوال تاريخها، ظلت الكنيسة المصرية تحتفل بالعيد بنفس الطقوس، حتى إن بعض المؤرخين المسلمين كتبوا عن الحالة البديعة التى تظهر عليها الكنائس المصرية، والبيوت القبطية، فى عموم مصر أثناء الاحتفال بهذا العيد، وعلى رأسها التزين بالشموع والأنوار، وانخراط الجميع فيه، مسلمين ومسيحيين وحكاما ومحكومين، كما حكى «المقريزى»، فى حديثه عن أهل مصر.
واعتاد الأقباط الاحتفال فى هذا العيد بتناول وجبات القلقاس، ليس فقط لكونها إحدى العادات التى يتوارثها أبناء الكنيسة منذ أجيال، وإنما بسبب البعد الروحى والرمزى، الذى يتجلى فى هذا النوع من الخضروات.
فالقلقاس يحوى علميًا مادة هلامية سامة، تسبب أضرارًا للإنسان، غير أن هذه المادة إذا اختلطت بالماء تتحول إلى مادة نافعة ومغذية، وفى هذا يشبه طبخ القلقاس فى الماء حالة تطهر الإنسان واغتساله من الخطيئة، لذا يرمز هذا النبات إلى طقس المعمودية فى المسيحية.
ويسمى الغطاس أيضًا بعيد «الظهور الإلهى»، وفيه يأكل الأقباط القصب، لأسباب رمزية أخرى، تكمن فى كونه أحد النباتات التى تنمو فى المناخات الحارة، وترتفع باستقامة، وتنمو عقلة بعد عقلة، وتحوى فى داخلها سكرًا حلوًا طيب المذاق.
وترمز حرارة المناخ إلى حرارة الروح، التى تجعل الإنسان ينمو فى استقامة روحية شبيهة باستقامة أعواد القصب، كما ترمز العقلات إلى الفضائل المكتسبة التى تنمو وتزداد فى كل مرحلة من عمر الإنسان، حتى تصل به إلى السمو الروحانى.
بالإضافة إلى ذلك، يحوى القصب قلبًا أبيض مليئًا بالسكر الحلو، وهو رمز آخر لما يحمله المؤمنون فى داخلهم من حلاوة الروح، ونصاعة القلب.

المراسم كانت تتم على ضفاف النيل.. والحاكم بأمر الله أوقفها
تُطلق الكنيسة على «عيد الغطاس» اسم «الظهور الإلهى»، وباليونانية «أبيفانيا»، نظرًا لحلول الروح القدس على السيد المسيح عقب إتمام طقس عمده بنهر الأردن مثل «حمامة»، وسماع صوت من السماء قائلًا: «هذَا هُوَ ابْنى الْحَبِيبُ الَّذِى بِهِ سُرِرْتُ» وفقًا لما جاء فى الإنجيل فى الإصحاح الثالث من بشارة متى تلميذ المسيح.
وكان رُسل السيد المسيح هم أول من بدأوا الاحتفال بـ«عيد الغطاس» وفقًا لما كتبوه: «فليكن عندكم جليلًا عيد الظهور الذى هو عيد الغطاس.. واعملوه فى يوم ٦ من الشهر العاشر للعبرانية، الموافق ١١ من الشهر الخامس (طوبة) للمصريين»، كما جاء فى كتاب تعاليم الرسل «الدسقولية ١٨». ويُطلق على اليوم السابق لعيد الغطاس «برامون» ويعنى الاستعداد للعيد، وهو خاص بعيدى الميلاد والغطاس فقط، ويكون الصيام فى هذا اليوم حتى المساء ولا يؤكل فيه سمك.
وتُؤدى صلاة «اللقان» فى «عيد الغطاس» فى المساء، وتعنى فى المسيحية «الاغتسال» وفى اليونانية تعنى الإناء الذى يوضع فيه الماء للاغتسال منه.
ويسمى «الغطاس» فى الوقت الحالى بـ«المعمودية» وحسب الكنيسة الأرثوذكسية، هو شرط أساسى ليصبح الإنسان مسيحيًا.
وكان الأقباط يقيمون طقوس واحتفالات العيد على ضفاف نهر النيل، وجاء فى تاريخ كنيسة الإسكندرية القبطية واليونانية أن الأسقف يصلى مجموعة من الصلوات منها، خدمات طقسية، لتقديس مياه عيد «الثيؤفانيا» أى مياه «عيد الغطاس»، والصلاة لمباركة مياه النيل، والصلاة من أجل ارتفاع مياه النيل (عند تأخُّر الفيضان).
وفى إشارة تاريخية، تعود إلى القرن الخامس، أخذ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، تلميذه «ويصا» وذهب ليصنع قداسًا على مياه نهر النيل، أملًا فى أن يقبل الله صلاتهما.
ولم تقتصر الطقوس على الصلاة فقط، بل أشار مؤرِّخو القرون الوسطى، إلى أن مسيحيى مصر كانوا يحتفلون بهذا العيد على ضفاف النيل مع حمل المشاعل والغطس فى النهر بعد إتمام الصلوات، وإلقاء «الصليب المقدس» فى النهر.
وهكذا استمر هذا الطقس حتى زمن الحاكم بأمر الله، الذى منع مسيحيى مصر من الاحتفال بـ «عيد الغطاس» على شاطئ النيل، وأصبح الاحتفال أمرًا قد يُعرض البعض للخطر، لذا اقتصر الاحتفال داخل مبنى الكنيسة، وفى أواخر القرن العشرين انتقل طقس المغطس إلى «اللقان» الذى يتم تنفيذه ليلة «عيد الغطاس» فى جميع الكنائس القبطية الأرثوذكسية.