رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواطنة الكاملة.. وكرامة للمواطن «1»


لقد كان المشهد الينايرى عبقرياً لأن حالة التنوع الإنسانى كانت تؤكد أنها ثورة حضارية يحلم من أشعلوها بوطن ينشد الكرامة الإنسانية والتى فى جانب مهم منها كفالة العيش والخروج من دوائر الفقر ولكن بجانب ذلك تحقيق العدل والإيمان بأن الديمقراطية بكل آلياتها هى السبيل للعيش المشترك وصولاً لوطن للجميع..

على أول صفحة بجـواز السفر الأمريكى مكتـوب (حامل هذا الجواز تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية فوق أى أرض وتحت أى سماء)، وفى الجواز البريطانى ( ستدافع المملكة المتحدة عن حامل هذا الجواز حتى آخر جندى على أراضيها )، وفى الجواز الكندى (نحرك أسطولنا من أجلك)، وفـى الجواز العربى (عند فقدان الجواز تدفع غرامة مالية ) كم أنت صبور يا شعبنا العربى!!!!

كلام ساذج نطالعه فى مقالات للرأى بين حين وآخر للتأكيد على أن الشرارة الأولى لانطلاق ثورة يناير كانت بسبب إشعال مواطن النار فى نفسه حيث لم يُستجب لطلبه فى الحصول على حصته كصاحب مطعم فى كمية خبز كافية، وأن الثورة ثورة جوعى فقط، وأن نموذج بوعزيزى التونسى ببساطة يتكرر..

بداية بوعزيزى كانت مشكلته فى المقام الأول إهدار السلطات بغباوة لكرامته بشكل مهين، فكيف له كمواطن شرقى عربى أن يقبل قيام ضابطة أنثى بصفعه فى شارع تربطه به تاريخ إنسانى وعلاقات اجتماعية فإذا بها تنهار فى لحظة..

ونعود للحالة المصرية، كيف القبول بأن الثورة قامت عبر صراع المواطن مع مشاكل البيروقراطية المصرية وحالة الفساد التى تنخر فى هيكل وطن ببشاعة امتد تاريخها لحقب طويلة مضت من الزمان، وكل يوم نشهد مئات الحالات التى يتم ظلم أصحابها عبر التعامل مع دواوين الحكومة ويتم تجاوزها ببساطة من قبل المواطن، ونطلق على مثل تلك الحالات أن الفقر والعوز والحاجة كانت السبب وليس تعمد إهدار كرامة المواطن وإهمال تلبية احتياجاته اليومية عبر التعامل مع المحليات والسكك الحديدية والبريد والتأمينات والصحة والتعليم وغيرها، والتى يعانى من تخلفها المواطن فى كل حالاته، فقيراً كان أو غنياً...

وهنا أستشهد بأبحاث كثيرة أكدت أن جماهير العشوائيات التى تحيط كل مدننا المصرية لم يخرجوا من عششهم الصفيح إلى ميادين التحرير خلال كل أيام الثورة، باستثناء أصحاب السوابق الإجرامية، فقد خرجوا بعد فرض حالة من الفوضى على الشارع المصرى بغياب الأمن، ولم يكن خروجهم للمشاركة فى الثورة إنما للسطو المسلح والنهب بعد اكتشافهم غياب الدولة وسقوط النظام..

إنها كرامة الإنسان التى تم إهدارها هى التى دفعت الملايين فى ميادين الحرية للثورة على من أهدروها ببشاعة، باستخدام كل ألوان البطش والاستعباد، ولم يتركوا أى وسيلة يمكنها تصعيد حالة النيل من كرامة مواطنيهم، ويصل الأمر فى الكثير من الأحيان إلى حد الإذلال وقتل الطموح والأمل فى تجاوز محنة القهر والتراجع الحضارى والقيمى والتنموى.. إنها أوطان سلمت مقاديرها عبرحقب طويلة لنظم بوليسية غبية إلى حد التدخل فى التفاصيل الحياتية للمواطن حتى التافه منها من باب إثارة الرعب فى النفوس بدعوى فرض هيمنة الدولة ونظامها حتى لو كان الأمر يتعلق بانتخابات اتحادات الطلاب أو استخراج شهادة الميلاد أو مغادرة الدنيا وبلاويها !!..

■ كاتب