رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قناة الجزيرة.. كذب بروح الكراهية


من المفهوم أن تكون وسائل الإعلام محكومة بالتوجهات السياسية للجماعة الحاكمة أو المسيطرة اقتصاديا وأن يتم تقديم كل شىء عبر مصفاة النظريات السياسية. أقول إن هذا مفهوم، ولا أقول إنه مقبول. فى عهد الاشتراكية السوفيتية كان الإعلام يقدم كل إنجاز اقتصادى غربى، بصفته علامة على قرب زوال الرأسمالية! بينما كان الغرب يقدم حتى الإنجازات العلمية السوفيتية مثل الصعود إلى الفضاء، بصفتها إشارة إلى الديكتاتورية، التى تجبر الجميع على العمل حتى الموت. من المفهوم أيضًا أن تمارس وسائل الإعلام الكذب، كما حدث حين كذبت معظم وسائل الإعلام الغربية، حين ادعت أن صدام حسين يملك أسلحة نووية، وكما تكذب الآن بشأن الأسلحة الكيماوية السورية.

من المفهوم أن تمارس القنوات والصحف التضخيم والتضليل والتحريف باستخدام كل الطرق المتاحة بما فيها الفوتوشوب، كما فعلت جريدة الأهرام فى سبتمبر2010 حين عدلت صورة الرئيس مبارك والرئيس الأمريكى أوباما خلال مفاوضات السلام فوضعت مبارك فى المقدمة كأنما هو، وليس أوباما، الذى يقود المشاركين إلى جولة المفاوضات الأولى. مفهوم أن تقدم وسائل الإعلام الخبر، أى خبر، بالطريقة والصياغة التى تتفق مع تصوراتها، بحيث يعكس فى النهاية شيئا غير حقيقة الخبر! وأن تحيط كل المعلومات بحاضنة فكرية تقود المتلقى إلى التفسير المنشود، وأن تضلل المتلقى بإبراز بعض الحقائق وإخفاء بعضها الآخر، وأن تجرى تعديلات تبدو طفيفة على النص أو الصورة لترويج موقفها. إلا أنه من النادر أن تصادف أداة إعلامية تنضح المعلومات فيها بالكراهية كما تنضح بها قناة الجزيرة التى سجلت باسمها براءة اختراع الكذب المشبع بالكراهية. وحين تشاهد ما تبثه القناة فإنك تشعر بأن هناك من يكز على ضروسه، وهو يضمر تلك الكراهية ويبثها ويذيعها متجاهلا الحقيقة، التى بين يديه.

وقد تجلى موقف الجزيرة فى الشريط المرئى، الذى بثته مؤخرا فيما سمته «تسريب سيناء»، نقلا عن قناة «مكملين» الإخوانية، وفيه يظهر من وصفتهم القناة بالجنود المصريين وقد أطلقوا لحاهم «مع أن الجيش يمنع نهائيا إطلاق اللحى»، وهم يرتدون خليطا من الزى الصيفى والزى الشتوى «لزوم التصوير»، ويسيرون بهدوء ويتوقفون للتصوير لحظة ثم يعاودون السير! ثم تعلق الجزيرة على ذلك بقولها إن الجيش المصرى يقتل أبناء سيناء مستعرضة أحد الأطفال مع أحد ممثلى دور الجندى. وبداهة فإن طبيعة هذا الشريط الملفق لا يمكن أن تخفى على العاملين فى قناة الجزيرة الذين يمكنهم ببساطة تمييز الفبركة من الحقيقة، لكن «الغرض مرض»، كما يقول المثل الشعبى، وأغراض الجزيرة السياسية تعميها عن ملاحظة سقطاتها الساذجة المتكررة. خذ مثلا ميدان التحرير فى مصر، ستجد أن الميدان يتسع ويضيق، حسب موقف القناة السياسى! فقد تجمع فى هذا الميدان أيام انتفاضة يناير 2011، حسب ما نشرته القناة فى 18 فبراير على موقعها الرسمى: «أكثر من أربعة ملايين مصرى»! لكن ذلك الميدان نفسه يضيق بقدرة قادرة فجأة خلال مظاهرات 30 يونيو لإزاحة مرسى، فلا يتسع إلا لعدد محدود: «516 ألف شخص»! حسب تقرير قالت الجزيرة إنه«تحليل استقصائى» تم إعداده بحساب مساحة الميدان والشوارع المحيطة!.

بعد عزل مرسى جاء فى الجزيرة فى 27 يوليو 2013 أن القناة حصلت على صور: «تظهر عناصر الشرطة المصرية بجوار البلطجية يشاركونهم فى الهجوم على المعتصمين المؤيدين للرئيس مرسى أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية». وترى الشريط فإذا به قسمان لا علاقة لأحدهما بالآخر، القسم الأول أشخاص داخل المسجد لا يقترب منهم أحد، يتحركون بحرية، ثم القسم الثانى وفيه سيارات شرطة خارج المسجد لا علاقة لها بما يجرى فى داخله! فهما تصويران لا تربطهما أى علاقة إلا ما جاء على لسان القناة من ادعاءات! وقد سبق للجزيرة أن عرضت صورة لثلاثة أطفال على أنهم ضحايا الضربات الجوية المصرية فى 2015 لمقار داعش فى ليبيا، وتساءلت القناة: «ما ذنب هؤلاء الأطفال؟»، وسرعان ما قامت قنوات أخرى بعرض صورة الأطفال نفسها مقرونة بتاريخ نشرها السابق ليتضح أنهم أطفال سوريون لا علاقة لهم بالضربات الجوية على مقرات داعش! و عندما ألقى معمر القذافى خطابه الأخير فى الساحة الخضراء فى ليبيا جاء على لسانه: «إذا كان شعبى ما يحبنى فأنا لا أستحق الحياة»، لكن الجزيرة كتبت على شريط الأخبار العاجلة وهى تبث الخطاب أن القذافى يقول: «إذا كان شعبى ما يحبنى فإنه لا يستحق الحياة»!.

ولم يرف للجزيرة رف وهى تكذب وتلفق وتحرف علنا. لهذا استقال عدد من كبار مقدمى برامج القناة المشهورين، كان فى مقدمتهم غسان بن جدو التونسى الأصل الذى برر استقالته التى قدمها فى 2011 بقوله إن هناك «سقوطا مهنيا مريعا فى تغطيات القناة»! وهى شهادة من أهلها كما يقولون. وأعقب ذلك استقالة آخرين للأسباب نفسها. تواصل الجزيرة بالشريط الملفق الأخير الذى نقلته عن «مكملين» سقوطها فى مستنقع كراهية الشعب المصرى، وترويج الأكاذيب ونشر كراهية الجيش بين أبناء الشعب، وكراهيته بين أبناء سيناء تحديدا. ولكن عندما يقع الإعلام – أى إعلام- فى ذلك المستنقع فإن كل مهنيته لا تساعده فى إقناع الناس بما يكذبه. ومهما بلغت المهارات المهنية فإنها تعجز عن تشكيل رأى عام أو تحريك الناس أو خلق مشاعر العداء لديهم. ولو كنت مكان الجزيرة لاعتذرت - ولو هذه المرة على الأقل - لأظهر أن ثمة بقية من ضمير.