رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: مهزلة في الجامعة.. حمام سباحة بدلًا من مركز طبي عالمي


بقدر فرحى بالاستجابة السريعة، التى جرت بعد إذاعة فيلم «الدستور» القصير عن «فرحة».. تلك الطفلة الحزينة، التى جاءت من الصعيد بحثًا عمن «يدارى» ما يعتبره البعض عيبًا فى وجهها.. بقدر حزنى الشديد مما يجرى - ليس بعيدًا عن الأرض التى ولدت فيها «فرحة» - من بعض أساتذة جامعيين نحسبهم رسلًا للعلم والرحمة.

«فرحة».. طفلة عمرها ٣ سنوات.. استمعت زميلتنا إيناس سعيد لها ولوالدها وسجلت مع زميلتها قصتها فى ثلاث دقائق.. ويبذل الموهوب أحمد عاطف، رئيس قسم التحقيقات، مع زميلتيه جهدًا يعتبره البعض خارج حدود المهنة - وهو ليس كذلك - بالتحريض على إذاعة الفيلم فى أكثر من مكان، للبحث عن فرصة لعلاج فرحة، ابنة أسيوط، من «عيب خلقى» فى وجهها يستلزم خمس جراحات، تكلفتها مائة ألف جنيه والأب لا يملك.. وهو الأمر الذى حدث عقب إذاعة الفيلم مع الإعلامية الموهوبة رشا نبيل، حيث تكفل أحد رجال الأعمال بإجراء العمليات الخمس.. وقد أجرت «فرحة» أولاها منذ يومين.. وتنتظر باقى الجراحات ليكتمل حلمها بأن تواجه الناس بوجهها كاملًا.
فرحنا نحن فى «الدستور» بما جرى، لكننى تذكرت ما هو أكبر وأخطر.
فى سوهاج.. توجد جامعة كبيرة.. بها كلية للطب.. وبها أساتذة نابهون.. وشباب أطباء يدركون حقيقة مهنتهم ووجودهم فى الحياة.. هؤلاء الأطباء قرروا فيما بينهم منذ ست سنوات إنشاء مركز لجراحات الوجه والرأس.. لدينا ١٢٠ ألف حالة تشوه لأطفال أقل من ١٨ سنة، وستة آلاف تشوه جديد كل عام بسبب العيوب الخلقية.. وحصلوا بالفعل على الموافقات اللازمة.. وتم تخصيص قطعة أرض مساحتها ١٢٠٠م٢ لإنشاء هذا المركز الوحيد من نوعه فى مصر.. بالمناسبة لا يوجد فى الشرق الأوسط وإفريقيا سوى مركزين، أحدهما فى إسرائيل والثانى فى جنوب إفريقيا، ثم قامت مؤسسة «مصر الخير» التى سعى إليها الأطباء بالإعلان عن دعم المركز.. وأجرت الدراسات اللازمة.. لكن طوبة واحدة لم يتم تشوينها فى الأرض منذ ست سنوات.
لم يتوقف الأطباء الشباب عن مخاطبة العالم.. حصلوا على لجنة استشارية من أهم أطباء العالم.. وفى مقدمتهم المصرى د. حسن بدران.. ومعه د. هنرى كادامورتو من جامعة كاليفورنيا.. ود. جان ليلجا.. ود. برايان سمرلاند من مستشفى تيا أرموند فى بريطانيا.. ود. ريتشارد عزير من أوهايو وأ. د. ماريا كولاروفا من جامعة باسفيك.. وغيرهم.. من خيرة أطباء العالم.. وأقاموا عددًا كبيرًا من المؤتمرات.. وأجروا بالفعل عددًا كبيرًا من الجراحات.. وصلت قائمة الانتظار المعروضة أمامهم إلى ١٥٠٠ حالة.. معظمها تحتاج إلى جراحات معقدة جدًا.. هذا إذا كنا نعرف أصلًا أن جراحات تشوهات الوجه والرأس بطبعها تحتاج إلى عمل فريق متكامل من أطباء الأطفال والمخ والأعصاب.. والوراثة والتجميل والتخاطب وتقويم الأسنان والسمعيات والعلاج النفسى.
لم ييأس أحد من الأطباء المتحمسين للمشروع أبدًا.. وواصلوا دعوتهم.. وعملهم تحت ضغط نفسى رهيب، سببه أن هناك من سولت له نفسه أن يطرح فكرة سحب تخصيص الأرض «بتاعة المركز اللى بيعالج أمراض وجوه أطفالنا».. لتحويلها إلى حمام سباحة «يبلبط» فيه أعضاء هيئة التدريس.
النضافة حلوة ما فيش كلام.. لكن هؤلاء الذين لا ينظرون فى المرآة لمعرفة تشوهات وجوههم.. يحتاجون أولًا إلى فتح قلوبهم لعلاج تشوهاتها.
عندما سمعنا بهذا الأمر فى سوهاج.. قررنا أن تكون حملة «الدستور» هى دعم مبادرة إنشاء هذا المركز العالمى.. ومواجهة هؤلاء الموتورين الذين نزع الله رحمته من قلوبهم.. فرحة ليست الطفلة الوحيدة فى مصر.. أو فى الصعيد التى وُلدت بوجه غير مكتمل.. هناك الآلاف ممن يحتاجون عقولنا وقلوبنا.. والسادة فى وزارة التعليم العالى.. أعتقد أنكم لن تقبلوا بمهزلة سحب ترخيص هذا المركز العلمى المهم.. والطبى الأهم الذى يحتاجه أهلنا من المحيط إلى الخليج.. وليس أطفال الصعيد فقط.. ولا العلاج فى إسرائيل حج مبرور ونحن لا نعلم؟