رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

21 فبراير


أمس الأول، مرّت ذكرى هذا اليوم الخالد فى تاريخنا، دون أن تلفت انتباهًا، أو تحظى باهتمام!.. والأدهى، أنك لو سألت مائة شاب وشابة، وطالب وطالبة، من أبنائنا، فى مختلف مستويات التعليم، وسنواته، عن يوم «21 فبراير»، بل لو سألت جانباً كبيراً من المواطنين «الطبيعيين»، رجالاً ونساءً، عن هذا اليوم، وقيمته، وموقعه من تاريخنا المعاصر.



فمن المؤكد أن نسبةً كبيرة، ربما تتجاوز الـ90% منهم، لن يكون بمقدورهم الإجابة بأى جملةٍ مفيدةٍ عن هذا اليوم التاريخى العظيم، الذى كان ينبغى، ونحن نروم بناء الوطن الجديد، ونتغنى بدور الشباب وعطائهم، وندّعى الرغبة الصادقة فى إفساح الطريق أمامهم و«تمكينهم»، أن تكون ذكراه على كل لسان، وفى كل المدارس والجامعات، وعلى كل ألسنة نجوم أدوات الميديا ومحترفى وسائل الإعلام، التى تبدد وقت الوطن الثمين، فى كلام معظمه خالٍ من القيمة، وفارغ من المضمون، بل يضر ولا يُفيد، ويمزِّق ولا يوحِّد!.

ويقيناً أن الشباب والطلاب ليسوا هم السبب الرئيسى فى هذه المأساة، وإنما المسئول عن جهلهم بتاريخهم، وحكايات التضحية العظيمة لطوابير من أغلى بنيه، هو نظام التعليم البائس، الذى فشل فشلاً ذريعاً فى تأدية واجبه فى إعداد المواطن الكفء، المؤهل لصنع المستقبل، علماً ومعرفةً، ووعياً وقدرة، وامتلاكًا لناصية المعرفة، فى عصر هو عصرها بامتياز، منذ فجر التاريخ وحتى الآن، كما عبّر «فرانسيس بيكون»: «المعرفة قوة»، وأدرك أجدادنا الأماجد، وحثّوا الأبناء والأحفاد، على امتلاك أسرارها، وتلمس أسبابها!.

وأول مظاهر هذه المعرفة/ القوة، هو معرفة تاريخ الوطن، ووعى مراحل نضاله، واستيعاب أيام ودروس كفاحه، ليس من أجل عبادة الماضى، وإنما من أجل البناء للمستقبل، فالأمم التى تريد التقدم، ولنا فى الصين أسوة واضحة، تبنى مسيرتها إلى الغد، على وعى ثاقب بمراحل ماضيها، فهذا يزيد البناء رسوخاً، ويمنع تنكره لهوية الوطن، ويجعله أقدر على مواجهة الأعباء والتحديات.

وعودة إلى يوم «21 فبراير»، فلابد من الإشارة إلى أنه اليوم الذى يحتفل فيه طلاّب العالم وشبابه، بـ«يوم الطالب العالمى»، الذى يُمجد فيه كل طّلاب وشباب العالم، الذكرى العطرة لكفاح طلاب وشباب مصر والهند، ضد الاحتلال البريطانى، فى أربعينيات القرن الماضى، ويخلدون ذكرى الشهداء الأبرار، من طلاب وشباب الدولتين، الذين سقطوا وهم يرفعون راية وطنهم، ويدافعون عن حقه فى الاستقلال والتقدم.

والحق أن الأجيال الماضية، كانت أحرص ما تكون على استرجاع هذه الذكرى المجيدة، فى عقد السبعينيات من القرن الماضى وما تلاه، باستعادة ذكرى بطولات وتضحيات ذلك الجيل المناضل، على كوبرى عباس، يوم 9 فبراير 1946، حين فتحه البوليس السياسى، الذى كان يخضع لسيطرة المحتل البريطانى وعملائه من رموز الرأسمالية المحلية بقيادة رئيس الوزراء، الديكتاتور «إسماعيل صدقى»، بينما ينطلق جحيم الموت مع الرصاص على الطلاب الوطنيين المسالمين، الذين كانوا يرفعون أعلام مصر، ويهتفون لـ«الاستقلال التام» و«الدستور»، وقد اتخذت «اللجنة الوطنية للعمّال والطلبة»، القيادة الوطنية آنذاك، قراراً بالإضراب العام يوم 21 فبراير، والتظاهر للمطالبة بالجلاء، وإلغاء معاهدة 1936 مع بريطانيا.

وفى المظاهرات الحاشدة التى تجمعت فى شوارع وميادين العاصمة، سقط 23 شهيداً جديداً وجُرح أكثر من ثلاثمائة وثلاثين مصابًا، وخرجت الجماهير يوم 4 مارس 1946، لتحتفى ببطولتهم، حاملةً ملابسهم المخضّبة بدمائهم الزكيّة الطاهرة، ولم يهدأ الكفاح حتى تم الجلاء واستعادت مصر حريتها ونالت استقلالها!.. نريد أن يتعلم مواطنونا وشبابنا وطلابنا تاريخ وأمجاد وطنهم، لأن من يفقد الارتباط بماضيه، يعجز عن صياغة مستقبله!.