رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتماء العربي شرط الأمن القومي العربي


سبق أن أوضحت فى مقال سابق أن قمة الأردن المتوقعة مطالبة بصياغة جديدة للأمن القومى، وأنى أرى أن مضى أكثر من ستين عامًا على صياغة صورة الأمن القومى العربى تدفعنا إلى إعادة التفكير فى مفهومنا وصياغتنا له، خاصة أن التجربة غلبت عليها السلبية، مما يدفعنا للتساؤل عن سبب فشل الدول العربية فى التوصل لصياغة عملية لنظرية أمنهم القومى، بينما نجح الآخرون، خاصة أن العرب لديهم ما ليس لدى الدول الأخرى من أسباب النجاح.



وبالرغم من أن العرب قد تكالبت عليهم قوى دولية عملت على تخريب العمل العربى المشترك، وتغذية العناصر الداخلية السلبية التى عملت على إفشال وإحباط العمل القومى العربى المشترك والمتمثل فى الأمن القومى عمومًا والأمن القومى فى صورته الدفاعية بشكل خاص.

إن أهم ما يربط الأمن القومى العربى هو ما يربط شعوب الدول العربية من وحدة متعددة الجوانب، فهى وحدة ثقافية ووحدة جيوسياسية وجيوستراتيجية؛ فالوحدة الثقافية قائمة على وحدة اللغة والدين والتاريخ، والوحدة الجيوسياسية قائمة على الاتصال الجغرافى الذى يسهل العلاقات بين شعوب المنطقة، سواء كانت علاقات اقتصادية أو اجتماعية بما فيها من مكونات رئيسية، والوحدة الجيوستراتيجية تجعل الأمن الدفاعى لأى شعب من شعوب هذه الأمة مرتبطًا بأمن باقى هذه الدول بدرجات مختلفة، وتختلف أهميتها وفقًا لاتجاه التهديد المحتمل أو الواقع، وتشير هذه الوحدة الثقافية للتباين بين الأمة وجيرانها، ففى الدول العربية يستطيع أى عربى أو أى ممن يتكلمون العربية أن يتفاهموا مع أى من مواطنى البلد الذى ينزل فيه دون حاجة إلى وسيط، فى حين أن غير العربى يحتاج إلى مترجم أو أن يتعلم هو العربية، لكى يجرى معه أى محادثة أو حوار.

لذلك فإن العروبة، وخاصة بمفهومها الثقافى، عنصر رئيسى فى الأمن القومى العربى، ومكون أساسى له، وكان هذا مفهومًا تلقائيًا عند صياغة ميثاق جامعة الدول العربية، لم يكلف الآباء أنفسهم مشقة التأكيد عليه عند تأسيس الجامعة، خاصة أن «استقلال» الدول العربية سبق تكوين الجامعة، وشكلت الجامعة بالدول القائمة وبأسمائها حينئذ، فكانت هناك ممالك مثل المملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العراقية، والمملكة العربية السعودية، والمملكة المصرية، والمملكة المتوكلية اليمنية، كما كانت هناك جمهوريات بداية بالجمهورية السورية، فالجمهورية اللبنانية، ولم يكن فى الأسماء ما يشير إلى العروبة سوى المملكة العربية السعودية. ولقد تغيرت أسماء بعد ذلك، كما أضيفت دول عربية وأصبحت العروبة واضحة فى أسماء بعض الدول، حيث أضيفت صفة العروبة إلى مصر منذ أصبحت إقليمًا من الجمهورية العربية المتحدة، ثم أصبحت جمهورية مصر العربية بعد الانفصال، وأصبحت سوريا الجمهورية العربية السورية، وأصبح العراق الجمهورية العربية العراقية، وانضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الجامعة، ثم إلى معاهدة الدفاع المشترك، أما اليمن فقد تحول شطرها الشمالى إلى الجمهورية العربية اليمنية، بينما لم ينص على عروبة شطرها الجنوبى، وحذفت صفة العروبة من الاسم عند الوحدة، وأضيفت صفة العروبة إلى ليبيا بعد ثورة الفاتح، ثم عند تحولها إلى جماهيرية ولكنها حذفت بعد «ثورة» 2011، وغابت صفة العروبة عن العراق بعد الغزو الأمريكى لها، وينطبق عدم ذكر الانتماء العربى على باقى الدول العربية، حيث نجد دولًا اهتمت بالنص على صفة الديمقراطية والشعبية. ولم تسع دول لتأكيد انتمائها العربى ربما باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة.

قد يرى البعض أن صفة العروبة لم تمنع دولًا من أن تخرج عن مقتضيات العروبة والأمن القومى العربى، كما أن عدم ذكرها لم يمنع دولًا من الالتزام بعروبتها، وهو صحيح وحقيقى، لكن واقع العلاقات بين الدول العربية والدول الأجنبية جعل من المطلوب تأكيد انتماء الدول العربية والتزامها بمقتضيات الأمن القومى، خاصة إذا كانت الأسماء تؤكد الانتماء ورفض ما يسعى إلى تغييرها، كما هو الحال فى سوريا.

هنا لابد من توضيح أن الأمر لم يتوقف عند النص على العروبة فى اسم الدولة أو عدم ذكرها، ولكن ملاحظة أن تصبح علاقة دول عربية بدول أجنبية أقوى منها مع قوى عربية، وتصبح علاقات الدول العربية بالدول الأجنبية عنصرًا مهمًا للأمن القومى العربى، خاصة أن دولًا أجنبية لعبت أدوارًا ضارة بالأمن القومى العربى، بحيث شنت حروبًا على بعضها، وهناك دول أجنبية أخرى لعبت دورًا لصالح دول عربية، ومن المنطق أن تتأثر علاقات الدول العربية بذلك، وأن يعتبر التعاون مع النوع الأول مصدر خطر محتمل على الأمن القومى، هكذا أصبح من الضرورى أن يرتبط الأمن القومى بدرجة أكبر بالانتماء العربى وباسم الدولة.