رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من المقطم أحدثكم


بعد أداء صلاة الفجر شد السلطان الرحال وتبعته قافلته إلى مقر السلطانية ومقر حكمه الفخيم بناحية المقطم، وعلى بابه حط السلطان عن راحلته فى مقدمة موكبه السلطانى العظيم، ولكن «واقصراه» تلك كانت صيحته السلطانية التى شقت عنان السماء فتبعتها بالضرورة صيحات الأتباع (تبعية السمع والطاعة)..

لقد هال السلطان وهو يرى طائر النهضة حزيناً مُنكس رأسه رابضاً على أعلى نقطة فى بنايات السلطانية، أن يهبط بعينيه على أرض مدخل المقر ليقع نظره على مطبوعات ومنشورات تاريخ سُلطانيته السرية والعلنية بعد أكثر من ثمانية عقود من الزمان مرت على وجودها وعاشت عشيرته معظمها كإمارة خفية، وأحزنه وبعد أن صار له الحكم الاعتداء على مقره وتهشم إطارات صور رموز السلطانية وانتشارها مبعثرة على الأرض ممزقة فى مدخل البناية الرئيسية، التفت السلطان إلى واحد من أبرز رجالاته وقال «قولوا لمن يعتبروننى حاكما لو كنت أنا الحاكم هل كان يجرؤ أحد على اقتحام مقر السلطانية وكل مقراتنا فى عموم الولايات؟! وسأل غاضباً: أين كنتم؟! ومن الذى سمح لتلك الجريدة غير السلطانية أن ترصد بالزنكوغراف ما حدث وتنتهك سرية المكان، كيف لها أن تكتب: وكان حوالى 3 آلاف نفر من المتظاهرين قد اقتحموا مقر السلطانية بالمقطم، وقاموا بتحطيم زجاج المقر من الداخل، وأشعلوا النيران فى عدد من المقاعد الموجودة فى المقر أمام المقر من الخارج لمنع وصول رجال العسس إليهم، وحطم المتظاهرون محتويات المقر السلطانى بالكامل، كما أطلق رجال العسس السلطانى الموجودون فى الشوارع الخلفية للمقرالقنابل المفرقة للجموع، لإلقاء المتظاهرين الحجارة على رجال العسس عقب محاولات تفرقتهم. كما تحاول قوات الحماية المدنية السيطرة على الحريق الذى أشعله المتظاهرون، وذلك عقب اقتحامه وإشعال النيران فى محتوياته خارج المقر، وألقى رجال العسس السلطانى المكلفون بتأمين المقر، القبض على أحد الموجودين فى الداخل والمشاركين فى تحطيم أجزاء من المقر، وبحوزته بطاقة هوية شخصية تؤكد تبعيته لأهل البيت السلطانى باسمه، مما يدل على انتمائه إليهم.. أين كنتم عندما دخل سحرة فرعون المقر السلطانى لينتهكوا حرمات تاريخنا العظيم؟».

فور طرح تلك الأسئلة السلطانية الغاضبة، هرع قيادات الأجنحة السياسية والعسكرية والأمنية، وعرضوا عليه ما كتبه جبرتى السلطان ومتابعاته لما يحدث أمام قصر والى سلطانيتكم مولانا وأحد أهم عمالك، وفى تلك القصاصات ما رصده، جمعناها بغير ترتيب تاريخى فى انتظار كتابه لمولانا ولجموع المسلمين الذ ى تضمن الرصد الكامل للأحداث.. جاء فى تلك القصاصات المخطوطة ما يلى:

يقول جبرتينا: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهدى الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأذكر بقول مولانا الأول ومرشدنا المؤسس «لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين... وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد... وما زال فى الوقت متسع... وما زالت عناصر السلامة قوية عظيمة فى نفوس شعوبكم رغم طغيان مظاهر الفساد... والضعيف لا يظل ضعيفا طول حياته.. والقوى لا تدوم قوته أبد الآبدين... ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين».. أما بعد، فإننا نذكر أيضاً ما ذكر به وحيد بن عبد المجيد من قول مولانا الأول «عبر افتتاحية العدد الأول من مجلة (النذير) الصادر فى مايو 1938 التى قال لهم فيها»: إلى الآن يا قبيلتنا لم تخاصموا حزباً ولا هيئة، كما أنكم لم تنضموا إليهم كذلك.. أما اليوم ستخاصمون هؤلاء جميعاً فى الحكم وخارجه خصومة شديدة إن لم يستجيبوا لكم ويتخذوا مقاليد الإسلام منهاجاً يسيرون ويعملون له.. فإما ولاء وإما عداء)، ولا يخفى على أى قارئ لهذا النص الوارد فى افتتاحية الوالى الأول، روح الوصاية وأخذ الناس بالشدة (فإما ولاء وإما عداء)، لكن المؤلف مع ذلك يلاحظ أن الأمر لم يكن كذلك (أبيض أو أسود) فى كل الأحوال، فكانت سياستهم رمادية فى كثير من الأحيان، واعتمدت المناورة سبيلاً فى غير قليل منها، فعلى سبيل المثال كانت مساندة الملك الجديد آنئذ عند تنصيبه، مدخلاً وجدوه مناسباً لإعلان وجودهم وقدرتهم على التأثير، مع رهان يصعب تبين جديته على إمكان تحويل الرموز الدينية- التى أضيفت إلى مراسم التنصيب- إلى وقائع».

وفى ورقة أخرى للجبرتى «تذكر شبابنا ما كتب فى مخطوطاتنا التاريخية أننا حاولنا نسف محكمة الاستئناف التى كانت تضم أوراق قضايا سلطانيتنا وهو الحادث الذى أغضب مولانا الأول كثيراً وجعله يسارع بإصدار بيانه الشهير الذى نشرته الصحف «هؤلاء ليسوا أتباعنا وليسوا مسلمين»، ورغم تلك المقولة الشهيرة لمولانا الأول فقد قام شبابنا بتلبية النداء وقاموا بمحاصرة مبنى المحكمة الدستورية العليا التى تجاسرت وأصدرت أحكاماً سابقة لم تتسق مع أهداف وأحلام سلطانيتنا العظمية فكيف لنا أن ننتظر منها المزيد من الأحكام؟!

ورقة أخرى عنونها جبرتينا «من موقعة صناديق الديمقراطية إلى موقعة جُبن النيستو الإفرنجية ».. ذكر فيها أنه لما كان قد تم الرفض من جانب عموم البشر إلا نحن تشكيل الجمعية التأسيسية، ومنتجها « مسودة الدستور» و«الإعلان الدستورى»، فاحتشدوا يحاصرون قصر السلطان ولما تجرأوا واعتصموا فأقاموا المخيمات فقد قرر شبابنا إزالتها وطرد وتعنيف من فيها ويا لهول ما وجدنا فيها.. جبن إفرنجى وأقراص منع الحمل وفول أمريكانا وعصير التفاح.. فصرخ شبابنا فزعاً بعد أن فزعوا عموم شباب الولايات «جبنة نيستو يا..؟!».. يبقى سؤال: هل نحن فى القرن الـ 21؟.

فى مقال قادم عرض لأوراق جبرتى زمن العجب! ■ كاتب

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.