رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم.. مفتاح التقدم وبناء السلام


لقد عانى العالم ويلات الحروب وذاق ويلات الخراب والدمار بمروره بحربين عالميتين راح ضحاياهما ملايين البشر وتعمل دول الغرب على تجنب أى هزات أو شرارات يمكن أن تجر العالم إلى حروب قد لا ينجو منها أى من بلدان العالم، والدول المتقدمة تقف أحياناً كثيرة موقف المشاهد أو الدارس والمحلل لما يدور فى دول الشرق الأوسط من انقسامات وحروب لا طائل منها غير الخراب والدمار والقتل والتشريد للأطفال والنساء والمسنين من الجنسين...

... اللافت للانتباه أن مثيرى الحروب والدمار ينسبون تلك الأفعال إلى الدين، والدين منه براء، فقد جعلت الأديان لراحة الإنسان وتعايشه السلمى مع أخيه فى الإنسانية حتى وصل العالم الأول إلى سلامة الحيوان والطير والطبيعة دروساً يتلقاها الطفل قبل الشباب والشيوخ، فأنت ترى حدائق عامة دون أسوار ودون أبواب، كما ترى الورود على جانبى الطرق ولا تجد طفلاً يقطع زهرة، ومن الورود بعضاً من المرتفع قيمة ولكنك لا ترى طفلاً يقطع زهرة منها. إنهم يحترمون الطبيعة كما يقدرون معنى الحياة سواء كانت بشراً أم طيراً أم زهراً. وعلى الجانب المعاكس نرى هوان الإنسان لأخيه فى الإنسانية حتى أصبحنا نشاهد آكلى لحوم البشر وشاربى الدماء ومغتصبى الصغيرات، ولم تحترم أجساد المسنات اللاتى تمت إهاناتهن على الهواء مباشرة، فأى قيم تعلموها واية تعاليم يمارسونها، إنها إهانة للبشرية، ومعصية كبرى للخالق الذى خلق الإنسان ليحيا مكرماً طفلاً كان أم شيخاً، ذكرا كان أم أنثى.

والسؤال الذى يفرض نفسه ما هى الأسباب التى أدت بنا إلى هذا التدهور الأمنى فى العديد من دول الشرق الأوسط، كاليمن والعراق وسوريا وليبيا والسودان، بل ولا تزال هناك محاولات مستمرة لجر مصر إلى ذات المستوى والدخول فى معارك داخلية بإثارة الوقيعة بين المواطنين والمسئولين وبينهم وبين بعضهم. وماذا عن تصدير أعمال العنف والتخريب والقتل والترويع خارج حدود الوطن إلى حيث يوجد مواقع تجمعات كالمسارح والاندية الرياضية أو وسائل الانتقال اليومية، حتى سقط أبرياء منهم أطفال ونساء وشيوخ قضوا نحبهم بلا ذنب إلا أن قادهم هذا المصير المروع فريسة لعقول شاردة وأفكار سائدة وعادات بائدة وثقافات معاندة، حتى أصبح القتلة يَرَوْن أنفسهم أبطالاً يدافعون عن أهداف هى فى خيالهم المريض يبحثون عنها بين سطور رفضها أصحاب العلم الغزير والفكر المستنير، وإن كانوا فى نظر المتطرفين عكس ما نسمع وما نرى، ولكن الشر قد أعمى الأبصار واغلق الأفكار حتى أنهم حسبوا دعاة فتنة، وحماة شر، بل ومدارس جهل يدخلها الطفل فى برائته ويخرج منها وحشاً صغيراً يتدرب على أيدى غلاة تفكير ودعاة تكفير لعلهم ليس لهم نظير.

وحتى لا نهدر جهوداً تبذل للإنارة أو العقاب، وإن كنا نراها قد تأخرت كثيراً حتى باتت المواجهة صعبة، والحلول كلفة بشرية يذهب ضحيتها شباب من لحمنا ودمنا فى مواقع الجيش والشرطة والمدنيين فى العديد من المواقع والنجوع والقرى والمدن. أما السؤال الذى يفرض نفسه هل نستسلم لروح الخمول والفشل والتراخى والكسل بدعوى ما باليد حيلة؟ والجواب نفيا بالطبع، فلا يأس مع الحياة ولا فشل مع المحاولات والتضحيات، فنحن نعيش فى منطقة الشرق الأوسط وفى ذات الأوضاع التى عاشتها شعوب أوروبا فى أعقاب الثورة الفرنسية بهدف استكمال حريتها وثقافتها ومواصلة محاولات اللحاق بالحرية والتقدم واسترجاع الحضارة التى استفاد منها العالم الحديث ، ومع شديد الأسى والأسف، فإن أبناءنا لم يستفيدوا من تاريخنا وحضارة أجدادنا، بل انهمكوا فى خلق أجواء من الحرابة الداخلية دون دافع حقيقى يوازى الدماء المراقة، والأموال المهدرة، والثقافات المتراجعة، مما يؤدى دون شك إلى خلق أجواء من الانتحار الذاتى والثقافى والحضارى، بينما يقف العالم الأول موقف المتفرجين أو بائعى الأسلحة للفريقين المهاجم والمدافع.

ومن اللافت أيضا أن العالم الأول يرى فينا قنابل موقوتة من الممكن أن تصيب الغرب بويلات تلك القنابل، خاصة بعد الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع كان لابد لأوروبا أن تصيبها ذات المخاوف بعد أحداث التفجير والقتل العشوائى فى اكثر من موقع، بل وصلت ذات المخاوف إلى روسيا، ولنقل إلى معظم دول العالم حتى أصبح الكل خائفاً متوجساً أن تصله ذات المهاجمات الطائشة بلا هدف إلا من غضب العالم ومعاملة مواطنينا بتوجس وقلق، وكأننا جميعا سافكين دماء ليس أكثر.وحتى لا نبعد كثيراً عن عنوان هذا المقال وهو التعليم مفتاح التقدم وبناء السلام، وكلاهما مرتبط بالآخر، فلا تقدم فى مناطق تعيش على برك من الدماء، وبدل الموسيقى سادها رعب القنابل، وهجوم الطائرات، وتسليح الأطفال، وغزو النساء فى بربرية لا آدمية، ولا علاج لكل هذا إلا بثورة تعليمية تفتح العقول قبل العيون لإدراك قيمة السلام وجمال خليقة الخالق فى اسماها روعة وهو الإنسان الذى من أجله سخرت كل الخلائق الأخرى لينعم بها فى حرية وحب ووئام. وأبدأ بمكانة مصر فى حاضرنا تعليميا، بعد تاريخ ناصع فى العلوم منذ فجر الخليقة يشهدها آثارنا فى أهراماتنا ولغتنا القديمة التى يدرسها الغرب، اما نحن فتركناها لسائحينا.

وَمِمَّا يخجلنا تراجع مصر والعالم العربى بالعموم فى التعليم وفروعه المتعددة، حيث يأتى ترتيب مصر فى المركز المائة والحادى والأربعين من بين مائة وأربعة وأربعين دولة من حيث جودة التعليم وتقريبا فى ذات الدرجة فى الابتكار والبحث العلمى. أما ترتيب جامعاتنا فليس الأفضل حالاً، حيث نقف فى ذيل القائمة، فترتيب جامعاتنا ٥٠٠ من ٨٠٠ جامعة حول العالم. أما نسبة الأمية فى العالم العربى فقد تصل إلى أربعين فى المائة.

والتعليم فى أى بقعة من العالم هو المشكلة وهو الحل، فبقدر الإنفاق على التعليم ترتقى الأمم، فَلَو أخذنا مصر كمثال باعتبارها اكبر دولة بين الدول العربية والشرق أوسطية حتى بلغ عدد الطلاب فى المدارس والجامعات إلى ما يزيد على العشرين مليوناً، فى حين أن ما ينفق على التعليم من الميزانية العامة أقل مما تنفقه العائلات فى الدروس الخصوصية على طلاب المدارس والجامعات، فما تنفقه الحكومة على تلميذ المرحلة الابتدائية أقل من ثلثمائة جنيه فى السنة، وفى المرحلة الإعدادية نحو أربعمائة جنيه ترتفع فى الثانوى إلى نحو ألف وخمسمائة جنيه، أما فى التعليم الجامعى فتتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه والخمسة آلاف جنيه فى السنة.

أما ما يصرف من الآباء إلى المعلمين والأساتذة، فأقله أربعة مليارات جنيه، وحتى ما يزيد على الخمسة عشر مليار جنيه فى العام!

والخلاصة أنه لا حل لمشكلاتنا اقتصادياً وسياسياً وصحياً واجتماعياً إلا من خلال نهضة شاملة على أنظمة التعليم، وأساليب امتحاناتنا، الأمر الذى يحتاج إلى ثورة إصلاح شامل وليس دهانات خارجية بقصد إخفاء الشروخ التى تقترب من الانهيار والدمار.