رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمة فى خطر


إنها صرخة مدوية فى زمن قياسى ولحظة حاسمة فى تاريخ دولة كبيرة قفزت قفزات أطول من تاريخها وظروف ونوعية شعبها الخارج من أزمات فى بلدانهم الفارين منها، إنها الولايات المتحدة الأمريكية التى صاح رئيسها بهذه الصرخة «أمة فى خطر»، ولم تكن الخطورة تهديدا من غزو أو احتلال بقدر ما هو اختلال فى العملية التعليمية فقط سبقت الرئيس ريجان وأمريكيته روسيا فى عالم الفضاء عام ١٩٨٣، الأمر الذى شعرت معه أمريكا مقدار الخطر، ومن هنا بدأت عملية الإصلاح التعليمى، فشكلت لجنة من ثمانى عشرة عضوا ينتمون لمواقع متعددة، ولم يكن وزير التعليم رئيسها، وطلب من اللجنة تقريرا بحالة التعليم الراهنة من المراحل الابتدائية وحتى الثانوية وما بعدها، سواء فى التعليم الحكومى أو التعليم الخاص، فهناك نحوخمسة فى المائة فقطيدرسون بالتعليم الخاص بمصروفات،اما الأغلبية والتى تقترب من المائة مليون فيدرسون بالتعليم الحكومى والمجانى.

واستمرت اللجان فى العمل الجاد حتى قدمت تقريرها الشافى والكافى بكل صراحة وشجاعة وحق لأنهم لم يتوصلوا بعد الى عبارة « كله تمام يا سيدى»، فقد ورد بالتقرير أن أقل من عشرين فى المائة من طلاب الثانوى فى أعمار سبعة عشرة هم فقط القادرون على كتابة موضوع إنشائى إنسانى دون أخطاء تذكر، ونحوثلاثين فى المائة فقط يمكنهم حل مسألة رياضية تتطلب عدة خطوات.

وبناء على هذا التوصيف قدمت اللجنة ثمانية وثلاثين توصية تحت موضوعات رئيسية تمثل المحتوى التعليمى- والمعايير - والتوقعات - ومدد الدراسة – والدعم المالى للتعليم.

كما أوصت بأمور عملية ويمكن تطبيقها فوراً مثل مدة اليوم الدراسى التى لا تقل عن سبع ساعات، وعدد أيام الدراسة الفعلية التى تتراوح بين مائتى يوم إلى مئتين وثلاثين يوما تعليميا، فالطالب يحتاج إلى أربع سنوات لتعلم اللغة الإنجليزية السليمة، وثلاثة أعوام لتعلم الرياضيات، وثلاثة أعوام أخرى لتعلم لغة أجنبية بجانب لغتهم الأصلية.

كما أوصت اللجنة بأن ترتبط مرتبات ومكافآت المعلمين بالنتائج والمنافسة بينهم، وذلك على المستوى المهنى وحساسية سوق العمل مع الكفاءة والأداء.

لذا فلا عجب أن ترى العلاقة الحميمية بين المعلم وتلاميذه وكأنهم من أسرة واحدة فلا حاجز بينهم القواعد الأخلاق والاحترام المتبادل بين المعلم وتلاميذه لا سيما فى المراحل الأولى من التعليم، وكيف يحب التلاميذ معلميهم حتى إنهم لا يرغبون فى العطلات، والمدرسة تقيم معسكرات صيفية لجميع الأنشطة مقابل مصروفات تعود على مدرستهم بالنفع والتقدم، ولكل مدرسة درجة تقويم متاحة للجميع حتى أن الآباء يمكنهم الاطلاع على درجة المدرسة قبل إلحاق أولادهم فيها، كما أن درجة المدارس تتحكم فى أسعار المساكن، فمن يقيم بأولاده بالقرب من مدرسة ذات درجة عالية يدفع أكثر فى السكن، كما لا يصرح لقبول أطفال من مناطق سكنية بعيدة عن حدود دائرة المدرسة رغم وجود وسائل نقل بالمجان، ولكن فى حدود جغرافية تقع فى دائرة كل مدرسة.

أما اللافت للانتباه فهو تشجيع النابغين من التلاميذ برعاية تفوقهم مع اهتمام خاص بالمحرومين اجتماعيا لظروف الموت، أو انفصال الوالدين، أو أى ظروف اجتماعية أخرى، والرعاية لا تتوقف على المشاعر فقط، بل تمتد إلى الجوانب المالية أو الصحية بمساعدات اجتماعية تقدمها الحكومة الفيدرالية للمدارس التى بها مثل هذه الاحتياجات.

وقبل أن تنهى لجنة تطوير التعليم أوصت بتشجيع الأبحاث العلمية والتدريب المستمر، وكل هذا تدعمه الحكومة الاتحادية، بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية للتبرعات وسداد رسوم الدراسات والأبحاث العلمية. أما الالتحاق بالجامعات فتلك قصة أخرى تختلف تماماً عن الأنظمة التى شاخت عندنا وأوصلتنا إلى ما نحن فيه. وهذا موضوع المقال التالى بمشيئة الله.