رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عدلي منصور يغادر عرش القضاء بعد رحلة عطاء استمرت 46 عامًا.. تولى رئاسة الجمهورية عقب ثورة 30 يونيو.. والعزل السياسي والتظاهر وغسيل الأموال و تحصين العليا للانتخابات ومنصب وزير الدفاع ابرز قرارته

جريدة الدستور

"سيدي الرئيس" لقب لطالما أطلق على القضاة داخل قاعات المحكمة، إلا أنه استطاع أن يحصل على هذا اللقب داخل وخارج المحكمة حيث تم تكليفه في يوليو 2013 بإدارة شئون البلاد، بعد ثورة الثلاثين من يونيو والتي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية للبلاد.

يغادر "منصور" رئاسة المحكمة الدستورية غدا الخميس بعد بلوغه سن التقاعد 70 عامًا، حيث يحط «قطار القانون» في رحلته الأخيرة كأحد ابرز قضاة مصر الذين قدموا الكثير لبلادهم في كافة المناصب التي تدرج بها.

ولد المستشار عدلي محمود منصور في 23 ديسمبر عام 1945؛ لأسرة بسيطة ترجع جذورها إلى الريف والصعيد؛ فالأب من أبناء محافظة المنوفية عالم أزهري كان يعمل في وزارة الأوقاف المصرية؛ وهو "الشيخ محمود منصور" الذي توفي وعمر ابنه عدلي الطفل ثلاث عشرة عاما، والأم من محافظة بني سويف.

إنسانيات وموهبة

التحق "منصور"، بمدرسة السلاح الابتدائية، ثم بمدرسة الحلمية الجديدة الإعدادية ولبراعته في اللغة العربية منذ صغره، اختير لإلقاء كلمة في وداع أحد مدرسي مدرسة الحلمية الإعدادية لنقله لمدرسة أخرى، وحين كان الحفل المزدحم بالكلمات على وشك الانتهاء، وتم تجاهل كلمته، أصر على إلقاء كلمته وكان إصراره دافعا لناظر المدرسة على أن يلقي التلميذ كلمته التي أدمت أعين الحضور من بلاغتها.

أنهى منصور، المرحلة الثانوية لينتقل بعد ذلك إلى عالم القانون حيث التحق بكلية الحقوق ليحصل منها على الليسانس عام 1967، وكانت نكسة يونيو سببا في تأجيل امتحان مادتين له ؛ وكانت الهزيمة سببا في يأسه فحصل على تقدير جيد مرتفع بنسبة 74%.
حصل المستشار منصور ، على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، سنة 1969، ودبلوم الدراسات العليا في العلوم الإدارية من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، سنة 1970.

رحلة عطاء

أختير منصور للعمل بالقوى العاملة، ومنها انتقل إلى إحدى شركات القطاع العام، لكنه كان لا يرى نفسه إلا جالسا على منصة القضاء؛ فتقدم للعمل بالنيابة العامة، ولسبب ما استبعد تعيينه، إلى أن أعلن مجلس الدولة عن حاجته لتعيين مندوبين مساعدين؛ فتقدم للامتحان في يناير 1970، امتحانا تحريريا في جامعة القاهرة، بكلية الحقوق، فكان الأول ضمن عشرة أفراد اختيروا ليعينوا بها، وسرعان ما اكتسب شهرة كبيرة كقاضٍ جليل، الأمر الذي جعل العديد من المؤسسات المصرية تستعين به كوزارة الخارجية والأمانة التشريعية لمجلس الوزراء والمركز القومي للبحوث.

التحق بالعمل عضوًا بإدارة الفتوى والتشريع لرئاسة الجمهورية والمحافظات، 1970، ثم التحق بالعمل عضوًا بإدارة الفتوى والتشريع لوزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي، 1972، ثم التحق بالعمل عضوًا بإدارة الفتوى والتشريع لوزارتي الخارجية والعدل، 1972، و في خلال الفترة من سبتمبر 1975 حتى يناير 1977 حصل على منحة دراسية بمعهد الإدارة العامة بباريس، وبعد عودته التحق بالعمل بالمكتب الفني للمستشار رئيس مجلس الدولة، 1977، ثم التحق بالعمل بإدارة الفتوى والتشريع لوزارات الأوقاف والصحة والشئون الاجتماعية وشئون الأزهر، 1978، ثم عمل عضوا بالمحكمة الدستورية العليا، 1992.

في عام 1980،عين مستشارا بمجلس الدولة، وفي 1984، عين وكيلا بمجلس الدولة، 1990، عين نائب رئيس مجلس الدولة، 1992، واختاره الفقيه الدستوري عوض المر؛ رئيس المحكمة الدستورية الأسبق قاضيا بالمحكمة الدستورية، وشارك في العديد من الأحكام الشهيرة للمحكمة، وعين نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، 1992، وعين رئيس المحكمة الدستورية العليا، 2013.

أحكامه الدستورية

وترأس المستشار عدلي منصور جلسات الاستماع الدستورية عام 2012 والتي ألغت قانون "العزل السياسي"، الذي كان يحظر على أعضاء النظام الحزب الوطني التنافس في الانتخابات.

وأصدر عدة أحكام، هامة منها الرقابة السابقة على قانون الانتخابات الرئاسية، وما تضمنه من عدم دستورية نص المادة الأولى من مشروع القانون، الذي يتعلق ببدء الحملة الانتخابية للمرشحين الرئاسيين، بالإضافة لعدم دستورية نص المادة 6 مكرر؛ المضافة إلى القانون بشأن حظر تولي أعضاء لجنة الانتخابات الرئاسية مناصب قيادية تنفيذية.

رئيسًا للجمهورية

وفي 19 مايو 2013، وافقت الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا على تعيين المستشار عدلي منصور؛ النائب الأول لرئيس المحكمة رئيسا لها، خلفا للمستشار ماهر البحيري وظل رئيسًا للمحكمة حتى انتدابه لتولي منصب رئيس الجمهورية المؤقت بعد البيان الذي ألقاه الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك مساء الأربعاء 3 يوليو 2013، والذي جاء فيه تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت وتولي رئيس المحكمة الدستورية إدارة شئون البلاد لمرحلة انتقالية.

وأدى عدلي منصور اليمين كرئيس للمحكمة يوم 4 يوليو رغم أنه تم تعيينه يوم 30 يونيو 2013، وعقب ادائه اليمين بدقائق أدى يميناً آخر رئيساً لجمهورية مصر العربية في المحكمة الدستورية العليا وبذلك صار الرئيس عدلي يحمل صلاحيات السلطات الثلاث "السلطة القضائية" كرئيس للمحكمة الدستورية و"السلطة التشريعية" بعد حل مجلس الشورى و"السلطة التنفيذية" كرئيس للجمهورية.

قرارات جمهورية

وأصدر منصور، 120 قانونًا خلال فترة رئاسته المؤقتة للجمهورية لمدة عام، بدأها بقرار جمهوري بتشكيل لجنة خبراء من 10 قانونيين بهدف تعديل الدستور، كما أصدر قراراً جمهورياً بتغيير يمين الطاعة الذي يؤديه أفراد القوات المسلحة مزيلاً منه عبارة "أن أكون مخلصاً لرئيس الجمهورية".

وأصدر في نوفمبر 2013 قانون للتظاهر يتيح لوزير الداخلية منع المظاهرة إذا كانت تشكل "تهديدا للأمن"، وفي 26 فبراير، 2014، أصدر قراراً جمهورياً يشترط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع، وأن يكون هذا التعيين لفترتين رئاسيتين كاملتين، وفي 18 مايو، 2014، كما أصدر قانون الطعن على عقود الدولة، وقوانين الانتخابات التي طعن على دستوريتها وأعيدت للمحكمة الدستورية لتعديلها.

وأصدر قرارًا برفع قيمة راتب الرئيس من 12 ألف جنيه إلى 21 ألف جنيه ومثل ذلك لبدل التمثيل، ما يجعل مخصصات الرئيس 42 ألف جنيه شهريًا؛ علمًا أن هذه الزيادة لا تطبق عليه لكن على الرئيس القادم، وكان من آخر قراراته قانون احترام العلم الوطني والنشيد الوطني، وهو القانون رقم 41 لسنة 2014 المنشور في الجريدة الرسمية الوقائع المصرية.

وكان ضمن القوانين التي أقرها تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، تنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد، وتعديل بعض أحكام قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002، قرار بقانون يقضي بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال الصادر بقانون رقم 95 لسنة 1992، وقرار بقانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، الخاص بإهانة رئيس الجمهورية.
وأصدر قرار بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 200، وقرار جمهورى بقانون يجيز التصالح فى المنازعات الضريبية والتهرب، وقرار بالقانون رقم 105 لسنة 2013، بفتح اعتماد إضافى بالموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013.

وأقر الرئيس السابق، قرارًا جمهوريًا بتعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات، وقرار بقانون لتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، وقرار بقانون بتعديل فى قانون الإجراءات الجنائية يقضى بتحرير محكمتى النقض والجنايات من قيود مدة الحبس الاحتياطى للمحكوم عليهم بالإعدام أو المؤبد، وكما أصدر الرئيس قرارًا بقانون فى شأن حظر تعارض مصالح المسؤولين فى الدولة، ويأتى إصدار هذا القانون فى إطار مكافحة الفساد والوقاية منه.

وتضمنت لائحة القوانين التي أصدرها "عدلي منصور"، قرار بقانون بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكرى الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، وقرار بقانون بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا، قانون «كادر المهن الطبية الجديد»، وقانون تنظيم القيادة العسكرية، وهو القانون الذى حصر منصب وزير الدفاع فى رتبة لواء.

وأصدر قرارًا بتعديل قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 72، وإنشاء صندوق خاص لتحسين أحوال العاملين، وقانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات وتعديل بعض أحكام قانون التأمين الاجتماعى، وشروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة، و قانون تعديل بعض المواد الخاصة بالقانون رقم 90 لسنة 1975 المنظم للمعاشات العسكرية وقانون التقاعد، وزيادة المعاشات العسكرية وتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة.

وأقر قانون بفرض ضريبة إضافية مؤقتة على الدخل، وتعديل أحكام قانون العقوبات الخاص بالتحرش الجنسي.

وفي الـ 7 من يونيو 2014، سلم المستشار عدلي منصور السلطة، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي في أول تنصيب تسليم وتسلم في تاريخ الدولة المصرية الحديثة ليخرج أول رئيس للجمهورية بشكل لائق دون قتل أو سجن أو وفاة، كما حدث مع من سبقه من رؤساء مصر.

وقام الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس الثلاثاء ، بتكريم المستشار عدلي منصور ورؤساء الهيئات القضائية الذين بلغوا سن التقاعد، والرؤساء الجدد، حيث يتولى المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئاسة المحكمة الدستورية العليا خلفا لمنصور، ليكون ثالث رئيس للمحكمة يأتى من داخلها، بعد أن كان رئيس الجمهورية يختار رئيس المحكمة من خارجها على مدار 22 عاما، إلى أن تم تعديل قانون المحكمة عقب ثورة 25 يناير.