رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضاحى خلفان.. والأمن القومى الأمريكى؟


كثير من أجهزة الإعلام وخصوصاً فى مصر، يتناول الأحداث والوقائع فى مصر مع تعقدها بالتفصيل يتناولون الإعلان الدستورى الأخير، ويتناولون مستقبل التأسيسية ومجلس الشورى فى نظر الإعلان الدستورى وإكمال مسودة مشروع الدستور والمظاهرات

والمليونيات العديدة، ولكننى فضلت اليوم أن أتناول الحوار الذى جاء باليوم السابع المصرية عدد 541 صحفة 9 يوم الأربعاء 21 نوفمبر 2012، لخطورة مفهوم من المفاهيم التى جاءت فى هذا الحوار.

يمكن أن يتوقف القارئ عند أشياء كثيرة فى ذلك الحديث المطول، يوافق فيها أو يخالف الفريق ضاحى خلفان، ولكن الشىء الذى لفت نظرى أن النقل صحيحاً ـ هو رد ضاحى خلفان على السؤال المهم والمثير الآتى: ألا ترى أنك فى الخليج أصبحت محاصراً بين إيران من جانب والإخوان من جانب آخر، جاء السؤال ماكراً وكانت الإجابة بصراحة واضحة وصادقة وفطرية ولكنها صادمة، قال ضاحى فى إجابته عن هذا السؤال: أؤكد لك أنه لا خطر على الخليج، لا من إيران أو من الإخوان، لأن العبث بأمن الخليج يعتبر عبثاً بالأمن القومى الأمريكى والغربى بسبب ثرواته من النفط.

أقول إن السؤال كان ماكراً ويسأل عن خطر يقوم فى أذهان بعض المسئولين الخليجيين وهو خطر الإسلاميين، خاصة الإخوان على الخليج، وهو خطر لا أساس له فى الواقع، سؤال يشير إلى تقسيم الأمة إلى سنة وشيعة، هذه الإجابة الواضحة الصادمة التى أشكره عليها حتى يعلم القاصى والدانى موقف الخليج اليوم من العروبة ومن الإسلام أنا أعرف أن هناك فى الخليج من كان يقول أيام بوش والعدوان الأمريكى على الأمة: «إذا جاء بوش نم فى الحوش»، مما يعنى أن بوش يأتى إلى بلادنا العزيزة ومعه الأمن، فيستطيع المواطن الخليجى أن ينام فى الحوش آمناً مطمئناً.

طبعاً هذا كان أيام صدام حسين، ولكننا اليوم نشهد نفس الكلام ضد إيران، طبعاً كان من الضرورى أن يتهجم ضاحى خلفان على الإخوان، والإمارات اليوم قد سحبت الجنسية من بعض أبنائها ولا ندرى أين يذهبون، وتحاكم أكثر من ستين مواطناً بتهمة الانتماء للإخوان والتخطيط لقلب نظام الحكم، أما أن يتهجم خلفان على العلامة يوسف القرضاوى بعد أن منعوه من دخول الإمارات لأى سبب ثقافى أو غيره، وهو العالم الذى تفخر كثير من البلدان باستضافته والاستماع إليه لوسطيته وعلمه الواسع وفقهه الذى يطمئن إليه الناس وشجاعته فى قول الحق، فهو خروج على المألوف.

كان كلام القرضاوى عندما وافق على الاستعانة بالأمريكان ضد احتلال الكويت أنه يوافق بشروط لم يتوفر منها شرط واحد، ثم قال فى كتابه الشهير «فقه الجهاد» صحفة 733 من المجلد الأول من ذلك الكتاب «الاستعانة بهذه القوة الأجنبية «الكافرة» أمر فرضته الضرورة وللضرورة أحكامها، وما يباح للضرورة يقدر بقدرها، هذا ما قرره مؤتمر مكة وقد حضره عدد كبير من العلماء وكنت ممن وافق عليها بشرط: أن تأتى هذه القوات لمهمة محددة هى إخراج صدام حسين من الكويت، ثم تعود من حيث ما جاءت، حتى قلت: إننى سأكون أول من يقاتل هذه القوات إذا بقيت فى المنطقة بعد التحرير يوماً واحداً، انتهى كلام القرضاوى ونحن اليوم لا نزال أمام قولين أحدهما منذ 22 سنة للشيخ القرضاوى والثانى منذ أقل من شهر لضاحى خلفان، كلاهما فى جزء منه يتعلق بالأمريكان وبقاء القوات الأمريكية فى الخليج.

القرضاوى يقول: «إننى سأكون أول من يقاتل هذه القوات «الأجنبية» إذا بقيت فى المنطقة بعد التحرير يوماً واحداً، وقد بقيت القوات ليس فقط يوماً واحداً ولا شهراً واحداً ولا سنة واحدة، ولكنهم بقوا أكثر من 22 سنة، بل وازدادت قواعدهم وحشودهم وكثفوا وجودهم فى المنطقة حتى بعد الربيع العربى، ولكن فتوى الشيخ القرضاوى رغم أنها فى بطن الكتاب، قد تؤذى بعض أهل الخليج، خاصة من الحكام، رغم أنه يقيم فى قطر وفيها أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة.

لقد تناولت ردود الأفعال فى إجابات ضاحى خلفان فى حواره المهم لليوم السابع، كثيراً من المواقف بالتعليق ومحاولة التبرؤ من التهم التى وجهها لبعض الإسلاميين، ولم يتحدث أحد عن أخطر ما جاء فى حديثه وهو أن العبث بأمن الخليج يعتبر عبثاً بالأمن القومى الأمريكى والغربى بسبب ثرواته من النفط، صحيح أن الاستراتيجية الأمريكية تسعى اليوم، كما سعت من قبل إلى الهيمنة على العالم، والتحكم الكامل فى الموارد الطبيعية والبشرية قدر المستطاع لصالح أمنها القومى، أما غير الصحيح ولا المقبول شرعاً ولا عقلاً، أن يعتبر ضاحى خلفان، أكبر مسئول أمنى فى الإمارات ، أمن الخليج والأمن القومى الأمريكى، بل والغربى مرتبطان إلى هذا القدر، بسبب الثروات من النفط فى الخليج.

الرسالة واضحة وخصوصاً إلى إيران التى حاصرتها أمريكا وحاصرها الغرب لتقدمها العلمى والتقنى والبرنامج النووى، الذى تفسره إسرائيل على أنه خطر يهدد أمنها، وهى التى تهدد أمن الجميع، كيف ترفع إيران رأسها أمام الغرب والهيمنة الغربية، لقد ارتكبت بذلك أكثر خطيئة ضد أمريكا وإسرائيل، ولماذا لا تكون إيران مثل بقية دول الخليج؟ تقبل بالهيمنة الغربية وتقبل بالقواعد الأمريكية واستغلال ثروات الخليج من النفط والمعادن الأخرى؟ ولماذا لا تقبل إيران مثل بقية الدول فى المنطقة بالقواعد العسكرية الأمريكية لتحميها من أى خطر خارجى؟ لماذا لا تستكين إيران كبقية دول الخليج ويكون موقفها من إسرائيل مثلهم؟ فيحدث السلم الذى تريده إسرائيل والتفاوض والصلح، بل والاعتراف بإسرائيل؟ وتنقلب لاءات مؤتمر الخرطوم إلى نعم للجميع.

متى نفكر بطريقة أخرى تعين على الأقل الأجيال المقبلة فى بلادنا أن يشعروا بالأمن والتقدم والإسهام فى الحضارة القائمة حتى يحترم الغرب بلاد العرب والمسلمين وأهلها وأن نتجه للإنتاج بدلاً من الاستيراد والاستهلاك فى كل شىء تقريباً؟ كنت أتمنى أن يفكر رجل الأمن الإماراتى الشهير بطريقة أخرى وليسأل نفسه وليسأل الحكام فى الخليج متى تستطيع الإمارات العربية المتحدة أو أى دولة خليجية بمفردها أن تدافع عن نفسها ضد أى خطر محتمل؟ وإذا كانت لا تستطيع ذلك بمفردها وإمكاناتها البشرية القليلة وثرواتها النفطية الكبيرة، فلماذا لا تدعم الوحدة العربية أو الإسلامية، فتجمع للأمة القدرات اللازمة للتفوق فى جميع المجالات ويجتمع لها القدرات والإمكانات التى تمكنها على الأقل من الدفاع عن نفسها بنفسها؟

إن اطمئنان ضاحى خلفان ومن ورائه، إلى أن أمريكا لن تسمح بالعدوان على الإمارات أو يسميه العبث بأمن الخليج اطمئنان إلى قوة عظمى فى طريقها إلى الزوال إن شاء الله تعالى، كما كان وكما زال الاتحاد السوفيتى، قد لا يكون هذا الأمر واضحاً لضاحى خلفان، ولكنه سنة فى سنن الله تعالى فى الكون، إن أمريكا هى التى تعبث بأمن الخليج بنشر القوات والقواعد الأمريكية ونشر الفساد أو على الأقل روح الهزيمة التى تحلى بها ضاحى خلفان، التى ظهرت فى حواره الشامل مع اليوم السابع. أصبح الخليج للأسف الشديد جزءاً أساسياً ومهماً من الاستراتيجية الأمريكية أكثر عن ذى قبل، لأسباب عديدة وليس بسبب الثروات فقط، كما يظن ضاحى خلفان.

من تلك الأسباب الثروات النفطية الكبيرة والمواقع الاستراتيجية التى تمكن أمريكا من الاقتراب من أماكن الخطر المتوقع فى المنطقة الوسط وفى الشرق الأوسط من العالم، ولكن أهم الأسباب التى تكمن وراء الوجود الأمريكى بهذه الكثافة فى الخليج منذ أكثر من عشرين عاماً وبعد سنوات من رحيل صدام حسين، الذى استخدمته أمريكا سبباً لتكثيف وجودها فى الخليج ـ أقول أهم الأسباب ـ يكمن فى المحافظة على الوجود الإسرائيلى الصهيونى المحتل لبلادنا، معززاً مكرماً على حساب الفلسطينيين والعرب، والسبب الرئيسى الثانى يكمن فى الوقوف ضد إيران وتقدمها العلمى، خاصة البرنامج النووى حتى لو اختبأ ذلك وراء دعوى خطورة التشيع والخوف على مذاهب أهل السنة والجماعة، ولنحذر جميعاً الثعلب بين صفوفنا أو بنات أفكارنا.

برز الثعلب يوماً فى ثياب الواعظينا.. فمشى فى الأرض يهذى ويسب الماكرينا.

ويقول الحمد لله إله العالمينا.. يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا