رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يخطئ من يظن أننا لا نواجه مشكلة، والمشكلة ليست سهلة وإلا ما كانت مشكلة، كما أن الحلول ليست سهلة، فنحن كشعب وقيادة وحكومة والبرلمان جاهز للشراكة فى المشكلة إن لم يزدها تعقيدا...

أفكار خارج الصندوق


... ولما كنا كمواطنين نحب وطننا ونقدر بالاحترام والإعزاز قيادتنا ورئيسنا الذى قاد حركة تصحيح مسار بأقل الخسائر ولا يزال يبذل الجهد والمسعى للنهوض بالبلاد متطلعا إلى مستقبل أفضل لكل المصريين، ويخطئ من يظن أنه يعمل فى جو من الراحة والتعاون وحتى مجرد تفاؤل، فالعيون تراقب تحركاته وقراراته لعله يخفق فى قرار، أو لا يوفق فى مسعى، فالأجواء ملغمة تكاد تكون فى كل شارع وزقاق، منهم من يقاوم عن مكر وخبث ودهاء، ومنهم من يحفر الحفر ويغطيها بقش ورمال مترقبا السقوط فيها لمن أسقطهم وبدد أحلامهم. لقد اتخذ السيد الرئيس قرارا كان مؤجلا من سابقيه ولم يكن أى منهم فكر فى اتخاذه رغم مرور العلاقات السياسية فى عهودنا السابقة بمراحل ربما كانت أفضل منذ أن كنا نساعد دولة ناشئة لا زرع فيها ولا بترول، فلم نتخل عنها كدولة عربية شقيقة من ناحية ومن الناحية الأخرى لم تشكله من مشاعر وجدانية لدى أخوتنا المسلمين فى كل بلدان العالم، لاسيما مصر التى تخصصت فى تطريز وزخرفة الكسوة السنوية بالكلفة العالية والكرم المصرى العريق على مر الزمان، وقبلما نعرف من أديان وشعوب العالم تعرف ذلك ولا ينكره غير جاحد أو مصاب بمرض النسيان. مصر التى كانت دائما سلة الخبز للجياع وسترة الأبدان للعراة وحائط الحماية من الغزاة والطغاة، ومن فاته مطالعة التاريخ أو شارك فى تزييفه ومحاولة طمس معالمه فليسأل أهل العلم المخلصين وهم كثر فى مشارق الأرض ومغاربها.

مصر التى أرسلت معلميها ومهندسيها وفنانيها لتغيير الأرض القاحلة والصحارى الجرداء لتصبح جنة فيحاء، وفى غضون عشرات من السنين لم تتجاوز جيلاً واحداً بقى شاهدا على العصر، حيث انتقل من البادية والصحارى إلى الجنات والفراديس والفنادق التى تتباهى بها اليوم، حتى قيل إنها الأغلى إقامة بين فنادق العالم، ولم يعد للخيام مكان، ونسينا وهذا حق سفن الصحراء، حيث استبدلت الصحارى بأجمل الطرق الممهدة وأغلى السيارات العالمية، ومنها المرصع بالذهب والأحجارالكريمة، ونكرر اللهم لا حسد، ولكننا أيضا نذكر بالماضى للعبر، والحاضر للشكر والعرفان لمهندسينا الذين غيروا طبيعة الأرض حفرا وتشييدا، ومنهم من دفع حياته فى تغيير وزخرفة القصور والطرق والحفر واستخراج الذهب الأسود من باطن الأرض أو أعماق البحار حتى تحول الرمل إلى تبر، والجمل إلى أحدث الطائرات، ويبدو أن النسيان مقصود، ومحو التاريخ مرصود، حتى تحول الجزاء إلى منة، والأجر إلى منحة، وتاه التطور فى زحمة التهور، لقد أردت بهذه المقدمة أن أمهد لأسلوب مواجهة الأزمة التى أرى أن الحل ليس بمستحيل إذا ما خلصت النوايا وراجعنا أنفسنا وأحسنا المراجعة بشجاعة القرار مع حفظ ماء الوجه بكل إخلاص واعتبار.لاشك أبدا فى حسن نوايا الطرفين، المصرى ممثلا فى شخص الرئيس الإنسان الراقى الحس والوجدان والمخلص لبلده والمؤمن برسالته والمتطلع إلى غد أفضل لايختلف معه اثنان، فقد راجع ملف القضية واستمع الى آراء من حوله، ولاشك أنه اقتنع بما ارتآه حقا، وان تردد سابقوه فى الاقتراب إلى هذا الموقف الشائك، مع كل التقدير لحكام «آل سعود» الذين ارتبط اسم دولتهم لأسرتهم، شهادة للتاريخ وعقدا غير مكتوب على زمان الدولة وتبعيتها للأسرة العزيزة، ونحن كشعب وحتى حكومة لم نسمع بقدر ما تسمح الذاكرة أن خلافا أو حتى مجرد إثارة أو إشارة إلى نزاع حول الموقعين موضوع النزاع. وبعد هذه المقدمة التى أرى أهميتها أدخل إلى صلب المقال للخروج من الأزمة التى انقسم فيها الرأى وأيضا الشعب إلى مؤيد لقرار السيد الرئيس ومعارض للتنازل عن جزء فى الوجدان المصرى، ودماء أبطال سالت وربما دفنت فى الموقعين. إننى أتساءل كيف يقرأ خادم الحرمين ما يحدث من نزاع بين أبناء الشعب المصرى وموقف رئيس مصر بالنسبة لشعبه، فهل فكر خادم الحرمين أن يخرج علينا بإعلان أن مملكته ليست فى حاجة ملحة إلى الجزيرتين التى ظلت فى وجدان وعروق المصريين حتى قبل نشأة ملك أسرة الحكم بزمان، وليعود الموضوع إلى حيث كان وتبقى طاولة الحوار والأفكار بين الأصدقاء حتى وإن استعنا بمحكمين دوليين يختارهم الطرفان، ويرضى بحكمهم الاشقاء، أم أن للأخوة فكرا آخر أبعد وأعمق من مفهوم الأخوة وعبق التاريخ وسابق العصر والأوان؟

إننى أوجه إلى جلالة الملك قبل السيد الرئيس السيسى هذا السؤال، كيف يرى خادم الحرمين ما يدور من نزاع بين أبناء الشعب الواحد؟ هل يسعد صاحب السمو خادم الحرمين أن يتقاتل أبناء المصريين بينهم فريق يؤيد رئيسه وآخر يعارضه وانتم تكتفون بالمشاهدة وانتظار صفارة الحكم واحتساب «الهدف لكم أو عليكم؟». إننى أثق فى حكمتكم، وأتطلع إلى قرار جرئ يصدر عن ملك عربى يعرف لمصر قدرها، ولشعبها بصمات تاريخية وأفعال حالية ومستمرة، ووجدان عالية نحو بلدكم عاطفيا ودينيا تستحق منكم قرارا جريئا يحفظ لمصر ورئيسها سلامها، والتفاف الشعب والقائد لخدمة مصر التى لا شك يهمكم استقرارها، فلكم فيها النسب والعلم، ومنها المعلم والمهندس والطبيب، وحان الوقت بمبادرة خارج الصندوق تأتى منكم، ومن عاش عمر دولته دونه يستطيع التأنى لحين الدراسة والتحكيم، وعندئذ يحلوالحديث مع وعد منى، فالارض باقية والجزر فى يد أمينة كما كانت عبر الزمان، إلا إذا هاجت البحار واختفت الجزر لتصبح فى خبر كان، ولكن يبقى دائما الود وحسن الجوار، فشعبنا يحبكم فكرا ووجدانا.. فقط مهلة من الزمان.وللحديث بقية..

■ الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية بمصر