رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوروبا والحصاد المر «1-2»


بات من الواضح أن دول أوروبا بدأت تحصد ما زرعته نتاج مساندتها للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة العربية، فلقد أعلن تنظيم «داعش» مسئوليته عن الحادث الإرهابى الذى حدث ببلجيكيا حيث تم تفجير مطار بروكسل صباح يوم الثلاثاء الماضى، وتفجير محطة مترو أنفاق وسط العاصمة البلجيكية أيضاً...

...وأسفر الحادث الإرهابى عن مقتل مايزيد على ثلاثين قتيلاً، وأكثر من عشرات الإصابات الدامية.

وقد أعلنت وكالة أنباء «التعاون» التابعة لتنظيمات داعش، مسئولية مقاتلين داعش عن حوادث التفجيرات البلجيكية، وقد تسلح المقاتلون بالأحزمة الناسفة والشنط المعدة للتفجيرات، التى تم تفجيرها لكل من مطار بركسل، ومحطة مترو أنفاق العاصمة البلجيكية.

وتوجهت الحكومة البلجيكية بعد الحادث بنداءات للمواطنين بضرورة الالتزام بأماكنهم سواء فى المنازل أو فى مكاتب العمل، حيث أعلنت الحكومة حالة الطوارىء ورفع درجة التأهب الأمنى للدرجة القصوى، كما أعلنت جميع الدول الأوروبية رفع حالة التأهب الأمنى فى جميع المطارات بها.

وما يقوم به تنظيم داعش من قتل وذبح للأبرياء، وما قام به فى بروكسل الثلاثاء الماضى، يُعد جريمة نكراء فى حق الإنسانية، وعملاً إرهابياً دنيئاً، وهنا لابد أن نسمى الأمور بمسمياتها الحقيقية بعيداً عن تزييف الواقع لأنّ الشعوب التى تفشل فى تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت عادةً نتيجة تناول الدواء الخطأ، فالطبيب الأمين فى عمله لا يقبل على نفسه أن يخدع مريضه المصاب بالسرطان ويقول له إنك مصاب بالإنفلونزا، وتكمن المشكلة الرئيسة التى تدفع هؤلاء السفاحين لارتكاب جرائمهم فى الأصولية الدينية التى تتبنى تفسير النصوص الدينية بحرفيتها منزوعة من سياقها التاريخى والحضارى، والأصوليون الدينيون يقومون بالتفسير دون اعتبار لأى علوم ومعارف إنسانية، وبتجاهل واضح لكل تقدم حضارى، وبتجاوز سافر لجميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومن ثم يترتب على ذلك الترويج لبعض الأفكار التراثية البالية التى عفا عليها الزمن منذ زمن والتى تتطلب عقولاً ناقدة لدحضها ورفضها والتعامل معها فى ظل سياقها التاريخى والحضارى، أما وأن يتم استدعاء مثل هذه الأفكار والأفعال الهدامة اليوم وبتجاهل واضح ومتعمد لكل تقدم أحرزته الإنسانية على مدار القرون الماضية، فهذا تدمير للحضارة الإنسانية، ومن ثم فإن مكافحة الإرهاب تستلزم مواجهة أمنية ومواجهة فكرية، كما أن محاربة الإرهاب تتطلب قصفاً فكرياً يتزامن مع القصف الجوى، واحتياجنا فى المرحلة الحالية لمثقفين أكفاء لايقل أهمية عن احتياجنا لجنود بواسل.

ولا سبيل للقضاء على الأصولية الدينية سوى بإحياء تراث «ابن رشد» ذلك التراث الذى دفناه فى شرقنا فتخلفنا، بينما أحياه الغرب فتقدم، ففى الوقت الذى يُتهم فيه ابن رشد بالكفر والزندقة، وتُحرق كتبه فى قرطبة، ويُنفى إلى قرية من القرى التى كان يسكنها يهود الأندلس تعبيراً عن أنه لم يعد مسلماً ولم يعد يستحق أن يعيش مع المسلمين، نشأ فى العالم الغربى تيار الرشدية اللاتينية، ذلك التيار الذى مهد لبزوغ الإصلاح الدينى فى القرن السادس عشر والتنوير فى القرن الثامن عشر.