رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

skins فيلم يناقش التشوهات الخلقية دون تعاطف أو تجميل

تذكرنا أفلام كثيرة بأن الجمال الجسدى والقبح هما أمران سطحيان فقط، وأننا نتشارك فى العديد من التشوهات، وأن التحدى الذى يواجه كلًا منا هو العثور على شخص يتقبلنا كما نحن، وقد اعتادت السينما أن تقدم هذه الموضوعات برؤية متعاطفة وبها كثير من الحساسية لموضوعات الاختلاف والتشوهات الجسدية، لكن فى أول فيلم للمخرج الإسبانى إدواردو كازانوفا «Skins» يوضح هذه النقطة بطريقة مميزة وصادمة، قد لا يتحملها الكثيرون. 

يعرض الفيلم عالمًا غريبًا مليئًا بالبشر المشوهين خلقيًا، الذين يعانون تنمرًا وفجاجة وسخفًا واعتداء أشخاص يبدون طبيعيين، أو تعاطف ومحبة أشخاص مشوهين نفسيًا بشكل صارخ، أشخاص لديهم عقد نفسية جنسية، كحب الأطفال أو حب المشوهين، دائرة من المعاناة لشخصيات الفيلم المشوهة جسديًا.. لورا فتاة جميلة، لكنها دون عينين، تعمل عاهرة، ويعتمد زبائنها على أنها لا تستطيع رؤيتهم.

هناك سامانثا التى ولدت بجهاز هضمى مقلوب، حيث تم تبادل فتحة الشرج وفمها، فقررت بشجاعة الخروج من الكوخ الخشبى الذى تعيش فيه مع والدها وتبحث عن القبول الاجتماعى، تشمل الشخصيات الأخرى آنا، التى تعانى ورمًا كبيرًا فى وجهها، ولديها علاقة غرامية مع ضحية الحروق جيلى، فى الوقت نفسه يقع فى غرامها إرنستو المحب للمشوهات، وهناك المراهق كريستيان، الذى يؤذى نفسه ويحلم بأن يكون بلا أرجل، حتى يصبح حورية البحر؛ والشخصية الصغيرة القزمة فانيسا، التى تحتقر وظيفتها فى ارتداء أزياء الدب كشخصية تليفزيونية مشهورة للأطفال. 

يقدم الفيلم العديد من الشخصيات، من خلال حبكة متماسكة، حيث من خلال وضعها فى عالم منفصل، ولكن متماسك عن عالمنا، عالم سريالى ومنمق للغاية، وملىء بالديكورات الداخلية الباستيل المبهرجة مع الألوان الوردية واللون البنفسجى السائدة. 

الجمال البصرى للصورة والألوان المتناقضة مع التشوهات الجسدية التى ترتكز فى الوجه، الصورة المؤلمة للوجوه تتناقض مع الجمال الراقى المنمق للمحيط الذى تعيش فيه الشخصيات تجعل المشاهدين مطالبين بإعادة ضبط تصوراتهم لما يعنيه الجمال.

من المفارقات الساخرة فى الفيلم أن تخبر آنا المصابة بورم تضخم يغطى الشق الأيمن من وجهها، ترفض استمرار علاقتها بإرنستو المصاب بحروق شديدة أكلت حتى عضلات وجهه لأنه يحبها فقط لمظهرها، أى أنه يحب تشوهها الذى هو معادل لتشوهه، وكأن كل إنسان يبحث عمن يحبه لذاته، سواء أكان جميلًا، أو مشوهًا. 

الفيلم قد يكون استفزازيًا أو مخيفًا أو مقززًا للبعض، فهو يناقش كثيرًا من الموضوعات المستفزة والمحرّمة، مثل: استغلال الأطفال جنسيًا، الانتحار، الاكتئاب، سفاح المحارم، لكنه فى كل الأحوال يطرح أسئلة مهمة حول علاقاتنا بأجسادنا.

لا يدخر الفيلم جهدًا فى تصوير الأجساد القبيحة، فالسيدة العجوز التى تدير بيت الدعارة عارية طوال الوقت بكل ما يحمله جسدها من ترهلات وتجاعيد، وزوائد جلدية بفعل الزمن، الذى لا يرحم.

دائمًا التشوهات الصادمة تحت الضوء فى كادرات متوسطة وقريبة تملأ شاشة العرض، فى لقطات لا تبدو وكأنها سخرية استغلالية، بقدر ما تبدو وكأنها أعمال تحد للمفاهيم الجمالية السائدة أو ما يعتبر طبيعيًا.

لا يخجل المخرج وكاتب السيناريو، لكنه بالتأكيد يمنح الجميع لحظة واحدة- على الأقل- من التعاطف و/أو التفهم، كازانوفا مَن فضح الغرور والعار والرهاب وغرائز الإخفاء، التغيير، الامتثال، التى تمليها ثقافة السطحية، كما أنه ليس لديه أى مخاوف بشأن إظهار ما يجب على المرء فعله للدفاع عن سلامته العقلية فى ظل نظام عقلانى، نظام قمعى للجمال، وبهذا المعنى، فإن كل ما تم تصويره من قبح يتناسب مع قصة البقاء التى تثبت، نعم، إنها مثيرة للاشمئزاز. 

تتعرض الشخصيات طوال الفيلم للاستغلال والتخويف، لكن العمل لا يمجد أيًا من شخصياته والأشياء البغيضة التى قد يفعلونها أو يقولونها، لكنه قد يمنحها لحظة من التفهم دون استغراق فى التعاطف المبتذل.

وأقسى ما فى الفيلم أن الفيلم لا يقدم لنا خلفيات هذه الشخصيات، بل يقدمها بحياد بارد دون أى رومانسية أو شفقة، فلا نتعاطف معها كما اعتادت السينما أن تقدم هذه النماذج، ولا ننجذب إليها، وكأن الفيلم يطرح علينا تساؤلًا مهمًا، ماذا إن قابلت مثل هذه الشخصيات لقاء عابر لا يسمح لك بالكشف عن دواخلها الجميلة أو القبيحة، كيف ستتعامل مع قبحها وفقط. 

إنه فيلم قادر على أن يصدمك ويواجهك بما قد لا تحتمل فى شجاعة وجلد.

«skins» تم عرضه لأول مرة فى مهرجان برلين السينمائى عام ٢٠١٧، وحظى بتقديرات نقدية متوسطة، وحقق إيرادات ضعيفة حوالى ٨٥ ألف دولار، لكن أهميته- بالنسبة لى- فى الشجاعة وعدم الاستسهال فى تناول الموضوعات التى يصعب مواجهتها بعيدًا عن مغازلة القيم السائدة والمألوفة، عن أنه فيلم يخيفك من نفسك ويجردك من كثير من الادعاءات المثالية.