رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملتقى أكادير للرواية.. أيام من السحر المغربى

بدعوة كريمة من بيت الرواية المغربية ومن رئيسه الكاتب عبدالعزيز الراشدى، توجهت بصحبة الصديق الروائى محمد رفيع للمشاركة فى ملتقى أكادير الثامن للرواية، وكان الخطاب الصوفى فى الرواية هو المحور الرئيسى للندوات والمناقشات، إلى جانب الاحتفاء بالرواية الفلسطينية دعمًا للقضية الفلسطينية ومؤازرة لصمود أهالينا فى غزة.

طوال فترة إقامتى فى المغرب، التى امتدت لأسبوع، انتقلت خلالها من أكادير وتارودان فى الجنوب إلى طنجة فى أقصى الشمال إلى الرباط والقنيطرة، لمست عن قرب وبعمق أصالة الشعب المغربى الشقيق ولم أشعر فى أى لحظة بالغربة، بل كنت وسط أهلى، الذين غمرونى بمحبة كبيرة وكرم ضيافة، وكلما عرف شخص أننى مصرية تنهال الترحيبات، كم من رجل شد على يدى بمجرد معرفته أننى من مصر، كم من سيدة حضنتنى بمجرد ابتسامتى وأنا أهز رأسى: نعم مصرية.

فى مطعم jour et nuit «نهار وليل» فى أكادير، قال لى النادل مرحبًا، ثم قال مبتهجًا «من أجل مصر أضيف ستة أصفار يا مليون مرحبة».

مصر كبيرة وعظيمة جدًا فى الوجدان المغربى، ونحن نتجول رفقة الصديق الكاتب «نزار كربوط» وزوجته العزيزة سارة فى الرباط، كانت أغنيات محمد عبدالوهاب هى نجمة السماء فى ليل الرباط المحاطة بأسوار من عصور المرابطين والموحدين من ملوك المغرب، وعندما وصل الحديث لما تعانيه القاهرة وضرورة الحفاظ على هويتها، خنقتنى الدموع بعد أن قال «لا بد من حل للحفاظ على القاهرة، القاهرة ليست مدينتكم وحدكم، القاهرة مدينتنا كلنا». 

وطوال وجودى بالمغرب شعرت بأننى مكسوة بمصر، وكانت النغمة التى تصاحبنى هو صوت عبدالله النديم كما تخيله الشاعر سيد حجاب وأداه على الحجار «طول عمرى عارى البدن وأنتِ جلبابى». 

ما ميز المغرب بالنسبة لى وجعلنى أنضم لنُخب محبى المغرب من الكُتاب والمبدعين المصريين هو الحضارة، العراقة، الأصالة، فى المغرب تتواصل مع بشر يشبهوننا، فى ملابسهم وصخبهم وفصال الباعة عند الشراء، ووجود الحمّالين فى المطارات ومحطات السكك الحديدية، الروح والحيوية، اللهجة ليست معوقة أبدًا كما يظهر لنا على شاشة السينما، ونحن نتابع الأفلام المغربية فى المهرجانات الدولية، فنفضل قراءة الترجمة الإنجليزية أو الفرنسية، فى الاتصال المباشر يهدئ المغربى من إيقاع نطقه المتسارع وتنجح الفهلوة واللماحة المصرية فى سد الثغرات غير المفهومة فى الكلام، وتمد المحبة جسورًا أعمق من الكلام. 

فى الرباط شعرت بأننى فى منطقة وسط البلد، فى ساحة وشارع محمد الخامس ومحطة قطار الرباط المدينة، وفى محطة قطار أكادير، على الرصيف وجدت أكثر من فَرشة لبائع جرائد وكتب.. وقفت أقرأ العناوين وسعدت وأنا ألمح بعض العناوين المصرية للأصدقاء الكتاب: ريم البسيونى، أشرف عشماوى وغيرهما. 

سافرت على طائرة الخطوط الملكية المغربية، ورغم طول الرحلة للمغرب التى تستغرق خمس ساعات، إلا أن مستوى الطائرة المتواضع أصابنى بالدهشة، فالكراسى تنجيدها قديم جدًا ومتآكل فى بعض الأجزاء، والخدمة على الطائرة اقتصرت على الوجبة المتواضعة جدًا فى الجودة والطعم، بما لا يعكس شهرة المطبخ المغربى. وما أكتبه من باب المحبة، فالمغرب والخط المصرى المغربى يحتاجان عناية أكثر، خاصة أننى انبهرت من محطات القطارات فى المدن التى زرتها وأيضًا مستوى جودة وانضباط القطارات التى انتقلت على متنها بين المدن المغربية. 

وصلت مطار محمد الخامس فى كازابلانكا فى الواحدة ونصف، حيث يوجد فرق توقيت ساعة بالناقص فى المغرب عن مصر، وعبر ممر طويل توجهنا إلى قاعة السفر الداخلى، فلم أتبين أى شىء من المدينة، أو روح المطار الذى يحمل طابعًا عصريًا حداثيًا بانتشار أنابيب أسطوانية فضية اللون فى تصميمات جدران ممراته، مع تغطية الزجاج ببوسترات كبيرة لأهم معالم المغرب الثقافية والحضارية، لكن وجود هذه الأعمدة بشكل مائل أمام الصور، قلل من الاستمتاع بمشاهدة المناظر الجميلة التى تمثلها.

إجراءات الجوازات شديدة فى مطار كازابلانكا، حتى إنهم طلبوا منا الدعوة للمؤتمر، واسم الفندق الذى سنقيم فيه، وهى إجراءات لم أقابلها فى أى من رحلاتى للخارج، سواء للسياحة أو العمل، وقد استغرق الكشف عن اسم صديقى محمد رفيع وقتًا طويلًا، وقد نبهه الضابط المسئول لأن كثيرًا من المصريين يحملون اسم محمد، ما يعنى استغراق وقت طويل فى البحث عن اسمه، لكن محبة مصر هى الى هوّنت الوقت، وتأكد الضابط من أننا أشخاص لدينا حيثية أدبية ولسنا إرهابيين أو مهربين، عندما فتحت فيسبوك وجعلته يشاهدنى وأنا أقدم حلقة برنامج «أطياف»، التى تذاع فى بث مباشر على صفحة قناة «الحياة»، سمح لنا بدخول الأراضى المغربية. 

.. وللحديث بقية