رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لقاء بعد قطيعة ألف عام ونوبة صحيان «٢»


لا شك أن لقاء يتم بعد قطيعة دامت ألف عام لدليل على الجرأة والإقدام من منظور روحى أو فكر دينى تغلغل فى العقول لهذا الزمان حتى إن مئات ممن تولوا المسئولية تباعاً لم يقدم أى من الطرفين على اتخاذ هذه الخطوة...

... وقد ذكر الكاتب الفلسطينى دكتور جميل سلامة عن هذا الحدث من منظور عربى إسلامى، والذى أورد أسباب الخلاف العقائدى بين الكنيستين حول قضية انبثاق الروح القدس، أوبلغة بسيطة مصدر الروح القدس، وأعقب هذا الخلاف طلب للبابا ليو التاسع أن تمتد سلطته على الكنائس الأرثوذكسية الشرقية فيعطى هو لقب البابا الأول بين أخوة متساوين، واعترض البطاركة الشرقيون وكان ذلك فى عام ٤٥١م واستمرت العلاقات بشىء من التوتر إلى أن حدث الانفصال الكامل عام ١٠٥٤م، أما الانفصال الآخر عن الكنيسة الكاثوليكية فقد بدأ فى عهد البابا بيوس العاشر فيما عرف بصكوك الغفران، وكان القصد هو تشجيع الشعب لجمع تكاليف بناء كنيسة القديس بطرس فى روما، الأمرالذى احتج عليه أحد رهبان الكنيسة واسمه مارتن لوثر. ودون الدخول فى تفاصيل، إلا أن الكنيسة عزلت ذلك الراهب المحتج على سلطة رئاسته وخروجه عن الطاعة، ولقب أتباع لوثر - وكان منهم النبلاء - بالمحتجين على السلطة الكنسية ومن كلمة محتج جاء تعبير «البروتستانت»، حتى وصل الأمر إلى تتبع المحتجين، أوالبروتستانت لقتلهم حرقاً، ومنهم من غرق فى محاولة للهروب. وما أقرب الشبه بما حدث فى حقبة أطلق عليها الحقبة المظلمة بمايحدث اليوم وبعد مرور أكثر من خمسة قرون، من ذبح المخالفين وحل دمهم وأكل لحومهم، ولا تزال قصة الاعتداء على الزوجين وطفليهما وربطهم فى كراسى والطفل الرضيع يصرخ من الجوع، وتوسل الوالدان من المعتدين أن يسمحوا بغذاء للطفل، ومع الإلحاح والتوسل أخذوا الطفل وبعد ساعات أتوا بغذاء إلى الزوج والزوجة فأكلا، وبعد أن انتهيا من الطعام سألهما أحدهم إذا ماكانوا قد شبعوا، وإذا ما كان الأكل ممتعاً، فأجابوا شاكرين، ولكن أين ابننا، لعلكم أطعمتموه كما أطعمتموننا، فقالوا نعم قمنا بالواجب معكما فأطعمناكما ابنكما، فهو الذبيح المشوى، فيا لهول الفاجعة، وهذا يحدث فى القرن الحادى والعشرين، والذى يتبارى فيه العالم حول أحدث الوسائل لراحة الإنسان ووصل فيه العلماء لاختراع أحدث أساليب العلاج والتقدم فى شتى المجالات.

أعود الى الحدث التاريخى بين القيادتين الدينيتين، وتقديم أول خطوة غير مسبوقة نحوالتقارب، بل والوحدة التى ينتظرها العالم منا. أما المؤسف، فهو أن البعض من المسلمين قد رأوا فى هذه الخطوة تهديدا لغيرهم من أتباع العقائد والديانات الأخرى، والمتتبع للفكر المسيحى يرى أنه يرفض استخدام العنف، ويكفى أن يقرأوا عما أصابهم من ظلم وقتل وحرق على مر التاريخ، ومن أمثلته ما حدث للأرمن فى تركيا من تصفية عرقية، وتاريخ الكنيسة المصرية شاهد على العصر الذى أطلق عليه «عصر الشهداء»، والذى لا يقل عما عاناه المنشقون عن كنيسة الغرب بعد خروج مارتن لوثر بأفكاره التى وصل عدد المقتنعين به فى تاريخنا المعاصر أكثر من ستة فى المائة من التعداد المسيحى الذى بلغ واحدا وثلاثين ونصف فى المائة من إجمالى الخريطة السكانية العالمية، وقد أشرنا فى موضع آخر إلى جملة التعداد العالمى وفق آخر عام ٢٠١٣ إلى قرابة ثمانية مليارات «٧٫٧» نصيب البروتوستانت «٦.١٥٪‏» من جملة التعداد، فإذا ما عرفنا أن جملة أتباع الديانات الإبراهيمية من مسيحيين ومسلمين ويهود لم تتعد ٥٥٪‏ من التعداد العالمى، وأن ٤٥٪‏ لا يدينون بما ندين، بل إنى أخشى أن نجرى حواراً حول نسبة كبيرة لا يربطهم بالدِّين إلا روابط الأسرة والمجتمع، وهم كثرة فى كل الديانات.

وأما الذين جاهروا بأنهم لا يدينون بأى ديانة أخرى ١،١ مليار نسمة، أما الهندوس فعددهم مليار، والديانة الشعبية ٣٩٤ مليون نسمة، والبوذية ٣٧٦ مليون نسمة، وبحساب الأرقام كما تقول الإحصائيات أن المسلمين ١.٦ مليار نسمة. وحتى لا أتعب قارئى فى الديانات الشعبية والروحانية وغيرها كثير، فتبقى الحقيقة، وهى من هوالانسان حتى يدين غيره، ألسنا نؤمن جميعاً أن الخالق وحده هوالديان الأعظم، فمن أنت أيها الإنسان حتى تدين عبدا غيرك، دعه لمولاه فهومن يدين وهومن يبرر. أما الداعون بحقهم فى محاسبة الناس وإجبارهم على اتجاه بعينه فقد أقاموا من أنفسهم قضاة وجنوداً ومشرعين، فليتهم يعرفون أن ثمانى مليارات نسمة حول العالم كل فى فكره وأسلوب حياته وعقيدته هو الرابط الأوحد، هو العيش المشترك، وتبادل المنافع والعلوم، لا سيما التقدم الطبى المذهل الذى غير معدل الأعمار بشكل لافت، وكل هذا نعمة من رب النعم الذى يستحق منا الشكر الدائم، والعمل المشترك لنفع البشرية، وليس للدمار والقتل والسلب تحت غطاء مزيف، وجهل بالواقع المعاش. والعلماء الذين نقلوا الانسانية من التخلف والفقر والجهل والمرض الى نور العلم وتقدم الاختراعات فى شتى المجالات، وهم ليسوا بأفضل منا، بل استخدموا عقولهم للخير والحياة ونفع الآخرين، وعما قريب سنسمع عن رحلات الى القمر حتى يخجل من لايزال يعرف ويعلم أن الأرض ثابتة، ودليله أن الطائرة تقطع المسافات ولا تقف فى مكانها، طالما كانت سرعتها لا تزيد عن سرعة دوران الأرض المزعوم أنها تتحرك، رحم الله العلم من العابثين به.

والسؤال لماذا هذا الموضوع اليوم؟ والإجابة القصيرة فى كلمات «ليتنا نفيق من سبات عميق ونلحق بقطار العلم والعلماء، ونبنى مجتمعاتنا ونعلم أبناءنا، ونعالج مرضانا، ونعلم أنفسنا قبل غيرنا، فلنلحق بقطار العلم والخير والحب للوطن وللآخرين الذين لم يعتدوا علينا، ولم يقصروا فى واجبهم، فعلمونا وعالجونا ودافعوا مع إخوتهم منكم عن الوطن، واختلطت دماؤهم فى رمال الصحراء حتى إن منهم من لم نعرف أين دفنوا، أوغرقوا، ولم يحسبوا أنفسهم أغلى من الوطن الذى بنيناه معاً منذ قرابة الألف وخمسمائة عام، بل تسلمناه من المصرى القديم الذى سطر آيات الحب للوطن والتحضر فى شتى المجالات التى تدرس اليوم فى جامعات عريقة ونحن لا ندرى، بل منا من يحاول القضاء عليها .. فنوبة صحيان.