رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيان مهم طال انتظاره ألف عام «١»


بعد قطيعة دامت أكثر من ألف عام لم يلتق خلالها رئيس الكنيسة الكاثوليكية حول العالم «بابا روما» ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية بروسيا التقيا معا لمدة ساعتين فى موقع يتوسط العالم ولمدة ساعتين فى هافانا كأخوين، ليتناقشا من القلب للقلب حول العلاقات التى يمكن تبادلها معاً، والمشاكل الاساسية التى يمكن العمل على التغلب عليها، وآفاق الحضارة التى يمكن الاستفادة منها سوياً...

... حدث ذلك اللقاء التاريخى فى الثانى عشر من فبراير الحالى ولمدة ساعتين وقد اختارا الموقع الذى يتوسط العالم أى فى وسط الكرة الأرضيّة واتسم اللقاء بالمحبة والصراحة معترفين بأن الخلاف الذى أدى إلى الانفصال طوال هذه الحقبة التاريخية وتوارثها قادة الكنيستين إلى يومنا هذا لا ينبغى أن يستمر أكثر من هذا، فآفاق الحضارة الإنسانية وحاجة البشرية إلى التعاون الأخوى تحتم هذا اللقاء الذى عقد على أرض كوبا وتحديدا فى المنطقة التى يلتقى فيها خطوط الطول والعرض والشمال والجنوب وكذلك الشرق مع الغرب، وتبدأ الوثيقة بالقول « نعلن نحن قادة الكنيستين إلى العالم الحديث أننا نتطلع إلى رجاء جديد فى العالم الجديد داعين الله أن تتوقف الاحداث المأساوية والتقاتل الإنسانى فى العديد من المناطق فى العالم.. ومن الجانب الإيجابى فإننا نسر بالإيمان الذى ينمو بشكل ديناميكى، وأن القوة الروحية الإيمانية فى أمريكا اللاتينية وتقليدها الإيمانى القديم الذى دعمته الخبرة الشخصية للملايين من البشر وهى الضمان لمستقبل أفضل لهذه المنطقة، ولبقائها هنا بعيدا عن المخاصمات القديمة فى العالم القديم حيث نشعر وبقوة بضرورة التقارب ككنيستين للعمل المشترك حتى ما نقدم للعالم برهان ودليل الرجاء المشترك».

وتمضى فقرات وثيقة اللقاء، ومنها الفقرة الاولى على هذا النحو: للقائنا هذا بعيدا عن الحضارات القديمة من العالم القديم نشعر بقوة محفزة بضرورة عمل مشترك بين الكاثوليك والأرثوذكس بدعوتهم هذه أن يقدموا للعالم برهانا ودليلا على ما نحن عليه من الرجاء بكل وداعة ورجاء ووقار عملاً بتعاليم الكتاب «قدسوا الرب الإله فى قلوبكم مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذى فيكم بوداعة وخوف»، والمقصود بالخوف هنا هو الوقار والإجلال أمام الله الذى يرى ويسمع ويستجيب.

وفى المادة الخامسة من البيان المكون من ثلاثين فقرة أو بندا:

كيف كنا معاً وانفصلنا عن بعضنا طوال هذا الزمن «ألف سنة» من تاريخ البشرية بالرغم من هذا التقليد المشترك للقرون العشرة الأولى فحرمنا معاً أكثر من ألف عام من الشركة والعلاقة الحميمة، مقرين أن هذه الفرقة كانت سببا فى جراح سببتها الانقسامات والخلافات والمنازعات التى ورثناها عن أسلافنا وذلك لخلاف فى فهم إيماننا بالله الواحد، كما نعترف آسفين بأننا خسرنا ميزة الوحدة طوال هذه السنين وكل هذا بسبب الضعف البشرى والخطية التى كانت السبب مخالفين فى ذلك طلبة السيد المسيح حينما صلى طالباً «أن يكون الجميع واحدا كوحدة الإله الواحد مثلث الأقانيم، وحتى ما يكون الجميع واحدا فى الروح وفى الفكر».

ثم يستدرك القائدان العظيمان الذات يمثلان أكثر من ثلثى مسيحيى العالم بالقول «نعلم أن هناك عوائق ومعطلات فى طريق وحدتنا ولكننا نتعهد أن نكون عاملين معا لإحلال وإقرار هذه الوحدة التى أرادها الله والتى صلى من أجلها المسيح».

كما قائداً الكنيستين عن أمنيتهما أن يكون هذا اللقاء بداية لإقرار الوحدة الكاملة لجميع المؤمنين ليس فقط الكاثوليك والأرثوذكس، ولكن لتشمل وحدتنا جميع المؤمنين، مصلين بكل حماس من أجل الوحدة الكاملة فى عالم ينتظر منا أكثر من مجرد تعبيرات رنانة أو كلمات فضفاضة، وإنما إلى أفعال ملموسة.

كما يعبر هذا اللقاء عن علامة رجاء لجميع البشر وليس فقط لأتباع المذهبين الكاثوليك والأرثوذكس طالما كانت لديهم إرادة صالحة وشوق إلى جمع شمل البشر.

ولما كانت هذه الفقرات لا تمثل أكثر من عشرين فى المائة من البيان غير المسبوق وإن دل على شىء فإنه عبر عن نية صادقة وعزم أكيد واستعداد بلا تردد ليتفادى الفريقان كل خلاف فى الماضى وأن ينسى الجميع أى إساءة من طرف ضد الآخر.

كما اتفق القائدان على اعتراضهما على الإجهاض، وقتل المرضى الميئوس من شفائهم، والذى عرف بالموت الرحيم، والذى ترفضه الكنيسة الكاثوليكية، ورفض إجهاض الحوامل إلا إذا كان دونه خطر محقق لموت الأم.

وعن سؤال وجه لمعاون البابا «ألكسندر فولكوف» عما إذا كان هذا اللقاء لأهداف سياسية فأكد أنه لا علاقة لهذا اللقاء بالسياسة مائة فى المائة وإنما اللقاء فعلا لجمع الشمل والآفاق من التعاون المشترك والمتبادل بين الكنيستين الروسية والكاثوليكية.

وفى الوثيقة الكثير والكثير الذى يمكن تناوله، أما الأهم فهو بداية خطوة جادة على الطريق، ولا شك ستسير قافلة الوحدة بلا ملل أو كلل.

ولما كنا قد قدمنا فى مقالات أربعة سابقة عن الحريات فإنى أعتبر هذا المقال تجسيدا حقيقيا للحرية وذلك على النحو التالى:

لقد طال الانشقاق بين الكنيستين لأكثر من ألف عام، ولم يستطع قادة الكنيستين فى أى عصر مضى أن يفكرو فى إمكانية جمع الشمل، ومر على تاريخ الخلاف عشرة قرون، ولما كان قد مر على الكنيسة الكاثوليكية مائة وتسع وثلاثون بابا فى الألفية الأولى، وما يجب معرفته أن البابا الحالى هو رقم ٢٦٦ فى عدد البابوات فبهذه الحسبة البسيطة يكون بابا روما الحالى قد سبقه فى تاريخ الخلاف الذى وقع بين الكنيستين ١٣٨ من البابوات.. إنه حقا عمل معجزى من الجانبين، واستجابة للدعاء الذى طال ونرجو أن يكتمل.

أما الملاحظة الأخيرة فى هذا الجزء من الموضوع فهو محاولة تقارب الكنائس المصرية جميعها، والتى بارك بداية الحراك المتنيح البابا شنودة الثالث، حيث أعلن عن رغبته فى جمع الشمل قبل نياحته بأسبوع واحد ليختار الله الرجل المناسب الذى تحرك بقلبه وإرادته ليجمع شمل الكنائس المصرية كلها فى شركة مباركة نتمنى أن تنطلق شرارتها إلى كل العالم حتى إلى سائر الديانات الأخرى شرقا وغربا ووقف سيل الدماء التى تسيل باسم الرب، والرب منهم بعيد بعيد، إذ لا اتفاق للعبادة وإزهاق أرواح البشر مهما اختلفت الرؤى والتوجهات، حيث لا يمكن أن يتحول البشر إلى آلهة تدين وتحكم وتنفذ الأحكام، وليتنا نتفق فى تحيتنا وشكرنا إلى القائدين الكبيرين بابا روما وبطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية ولهما منا كل الشكر.