رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعريب .. خطوتان للأمام


لدى الروس مثل يقول: «إذا عشقت اعشق ملكة وإذا سرقت اسرق مليون»، وإن أنت ترجمت المثل إلى ما يطابقه فى المعنى عندنا فستقول: «إن عشقت اعشق قمر وإن سرقت اسرق جمل»، وبذلك ترتكب خطأ فاحشا، لأن الترجمة تقتضى أن تنقل معايير ذلك المجتمع الآخر التى يقيس بها الثروة وهى الأموال وليس الجمال والبعير...

... وبهذا الخطأ تكون قد تجاوزت الترجمة إلى التعريب، أى إلى التأليف تقريبا. وقد سبقت الترجمة مرحلة طويلة من التعريب أطلق فيها المترجمون المعربون الحرية لخيالهم وأقلامهم تعديلا وإضافة وتحويرا وحذفا.

فى ثلاثينيات القرن الماضي- وكان الناس يتشوقون لأدب مترجم- انتشرت سلسلة قصص من ترجمة حافظ نجيب، كان بطلها لصا جريئاً اسمه «جونسون» ولاقت رواجا وبيعت بأعداد كبيرة. إلا أن حافظ نجيب وجد نفسه فى مأزق عندما انتهت القصة الأخيرة بموت البطل «جونسون» مصدر رزق المعرب، ولم يطل التفكير فاخترع على الفور لذلك اللص ابنا مغامرا جريئا مثل المرحوم والده، وراح نجيب ينشر من تأليفه سلسلة جديدة كأنما مترجمة بعنوان «ابن جونسون»! ويحكى نجيب محفوظ عن قراءاته الأدبية الأولى للأدب المترجم فيقول: «كانوا يترجمون مع تصرف، فيصح مثلا أن يكتب المترجم فى منتصف قصة فرنسية حديثا نبويا شريفا! وكنت حينها أصدق ذلك وأقول لنفسى: «ياسلام.. الكاتب الفرنسى الكبير جى دى موباسان عارف الرسول ويستشهد به»!

أما الكاتب المجيد طانيوس أفندى عبده (1869-1926) وهو أديب وصحفى وروائى ومترجم لبنانى من رعيل التنوير الأول فى مصر، فقد ترجم عام1897 مسرحية «هاملت» لشكسبير لتقديمها على المسرح، وطبعها عام 1902، وعند عرض المسرحية استوقفه غضب الجمهور من الظلم الذى حاق بهاملت، فعدل نهاية المسرحية بحيث يواصل هاملت حياته ويرتقى العرش استجابة لنداء الجمهور بضرورة انتصار الحق وإنصاف المظلومين! وبذلك «التعريب» يمكن القول إن طانيوس عبده– وهو مجرد « أفندى»– شطب على نهاية مسرحية هاملت ومسح بكرامة «شكسبير بك» الأرض وألف للعمل نهاية أخرى. لهذا اعتبرت أن أول ترجمة معتمدة لهاملت هى تلك التى قام بها الشاعر خليل مطران لاحقا. أما أشهر المعربين فى الثقافة المصرية فهو مصطفى لطفى المنفلوطى الذى لم يكن يعرف حرفا من اللغة الفرنسية ومع ذلك عرب عشرات الأعمال الفرنسية! وكان يأتى بمن يترجمون له النص الفرنسى ويقوم بصياغته بالعربية ويحشد للذوق الشرقى فى الصياغة أكبر قدر ممكن من العصافير والبلابل والدموع وأوراق الخريف التى لاعلاقة للمؤلف بها. هكذا صاغ رواية «بول وفرجيني» وجعل عنوانها «الفضيلة»، أما رواية «تحت ظلال الزيزفون» فانقلبت عنده إلى «مجدولين» وهكذا. ومن أطرف وقائع التعريب أن مترجما عربيا عكف على ترجمة كتاب لينين زعيم البلاشفة وعنوانه «خطوة للأمام .. خطوتان للخلف».

وبحسبة بسيطة اتضح للمترجم أن الناتج النهائى عن تلك الخطوات هو تقهقر المجتمع! ولا يعقل أن يكون لينين التقدمى داعية للتراجع! الأرجح أن أحدا دس هذا العنوان الرجعى على لينين! هكذا قرر المترجم أن يصبح العنوان: «خطوتان للأمام .. خطوة للخلف»، وبه صدر الكتاب بعد حذف خطوة من التقهقر واضافتها لصالح التقدم! وعندما انحسرت حركة التعريب لتفسح المجالللترجمة ظهرت أسئلة أخرى جديدة وعويصة أيضا: ماذا نترجم؟ كيف نترجم؟ لمن نترجم؟