رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من اليأس إلى البأس.. جالسوا الناس «2»


فى الجزء الأول من المقال، أشرت إلى عناوين رؤى أهل التنظير والبحث والرأى والحكمة والعلم لصناعة التغيير والتطوير والتجديد فى كل مناحى أسس بناء وطن يحلم بنوه بالتقدم والتحضر والتنمية.. اقتصاد قوى، إدارة عصرية، تعليم يمكن المواطن من المنافسة عالمياً، بنية ثقافية وتربوية وعلمية لأجيال طالعة بجانب البنية الأساسية فى مجال التشييد والبناء..

وها نحن نرى ونتابع أن كل نخب المجتمع تحدثنا وفق رؤى مختلفة تتبنى كل منها منطلقاً فكرياً ترى فيه ضرورة البداية بإصلاحه وتطويره والتمكين من تهيئة فرص النجاح.. فالجانب الاقتصادى يحركه فكر، وإصلاح التعليم يحركه فكر.. وكذلك المنطلقات السياسية والاجتماعية والإنسانية والإدارية تحركها الأفكار.. ولكن ثمة فرق بيننا وبين الدول التى استطاعت أن تحركها أفكار، وإن الأفكار لدينا تتحول إلى شعارات وأغان وأهازيج وافتتاحيات لمؤتمرات أو فى أحسن الأحوال إلى لجان ينبثق عنها لجان أو تشكيل هيئات وأوعية تشيد لها المبانى وتخصص لها الميزانيات والهياكل الإدارية.. بينما فى العالم المتقدم تتحول الأفكار إلى أعمال وإنجازات محسوبة يتم تقييمها وتطويرها بدأب وإصرار وبتفعيل رائع.

إننا لاشك نحتاج إلى فكر جديد لا يعتمد على فكر النخب النظرى المؤسس على قراءات ورقية أو حتى خبرات يتم اكتسابها عبر معارف اليكترونية أو غيرها من أشكال المعرفة المعاصرة فقط.. بل من المهم أن تأتى من تعامل مباشر مع الفرص على الأرض لاستثمارها والتحديات لمجابهتها فى مناخها، ومجالسة الناس فى كل المواقع.. فالفكر الأقوى هو الذى يستمد فاعليته من كل قوى المجتمع من خلال طرح ديمقراطى حقيقى.

إننا نحتاج إلى فكر جديد يطرح عنا قتامة مشاعر اليأس إلى منطلقات التوجه، بل والتمكن من كل أسباب القوة والبأس.. فإن النجاح فى التغلب على الأمية وسلبياتها لن يصنعه إنشاء هيئة لمحو الأمية فقط وتحقيق طفرة فى التعليم لن يتحقق بإنشاء هيئة للجودة فقط.. وحقوق الناس لن ينالوها ويتمكنوا منها بإنشاء مجلس قومى لحقوق الإنسان فقط.. والمرأة فى مصر لن تصل إلى حقوقها «التى لا أعرف مابقى منها» بمجرد إنشاء مجلس قومى للمرأة فقط.

لقد تجاوزنا مراحل التعرف على أعراض أمراض المجتمع وتشخيص وتوصيف الداء.. ومن يخالفنى الرأى عليه الاطلاع على المراجع الفكرية والعلمية التى أصدرتها وتصدرها حتى الآن المجالس القومية المتخصصة.. وكذلك الدراسات العلمية للجان مجلس الشورى حال وجوده فى الزمن الماضى.. بالإضافة للحصيلة الهائلة لإنتاج كل مراكز البحوث فى جامعاتنا وغيرها.

أخيرا أرى أنه بدلاً من اللوم وإلقاء التهم، علينا أن نحشد كل قوانا حتى يتم سد كل الثقوب.. فلم يعد هناك مجال لأن نقول ملك ولاٌ كتابة.. أقصد حكومة ولاٌ شعب.. وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما قال: « إذا أراد بقوم سوء سلط عليهم الجدل، ومنعهم العمل».