رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جيش مصر.. لمصر


كتبت فى مقال السبت الماضى تحت عنوان «الجسد واحد يؤلمه أنين أصغر أعضائه»، وكان حديثى حول تحالف إسلامى من أربعة وثلاثين دولة إسلامية لمحاربة الاٍرهاب الذى تحرمه ليس فقط الشريعة الإسلامية بل كل الشرائع الإنسانية التى تكرم الإنسان -قمة خلائق الخالق- ووعدت القارئ أن أكمل الحديث فى الموضوع نفسه فى العدد التالى من جريدة «الدستور»، وقبل أن أبدأالكتابة طالعت ما كتبه الأستاذ عباس الطرابيلى تحت عنوان «جيش مصر لمصر» فى جريدة المصرى اليوم بتاريخ الأربعاء السادس عشر من ديسمبر، أى منذ أيام قليلة...

... ومع أنى لست ضد تحالف الدول الشقيقة للوقوف معا فى وجه العدوان على أى جزء من بلدان المنطقة إذا ما كان العدوان علينا من جيوش معادية سواء كانت جيوشا نظامية أم عصابات عدائية، أما وإن المعتدين كانوا منا وخرجوا علينا ولم يخلعوا رداء العقيدة بل فى عقيدتهم أنهم يفعلون كل ما يفعلونه تحت ستار الدين والدفاع عنه ،ثم تأتى الدول ذاتها فى تحالف لقتال المعتدين الذين يظنون أنهم على حق ،وغيرهم بمن فيهم عوائلهم التى خرجوا منها أو خرجوا عليها وكأننا نقاتل بعضنا بعضا حيث لا يخلو الأمر من روابط تربط هؤلاء الخارجين برابطة الأهل والصحاب أو الرابطة الدينية أو حتى رابطة الجوار فى السكن أو التقارب فى الفكر وفى الهدف ولعلى مقال الطرابيلى يلقى بعض الحظر من الوقوع فى شرك الحروب الأهلية أو على الأقل تنتقل الجيوش إلى خارج حدودها الإقليمية فتتبدد الجهود وتنتهك الحدود وتكون النتائج عكس ما قصد بها أو منها، ولعلى تأخر مصر فى الترتيب كان لهذه الأسباب، ومن حقنا أن نبدى رأينا حيث لا حرج علينا بل هو الواجب الذى يتطلبه الهم المشترك. أما إذا رأى القادة المدعوون الى هذا التحالف أن فى ذلك حماية للأرض والبشر وعلى العالم الحر أن يؤيدنا فى هذا الوضع بكل الوسائل الممكنة وأهمها وقبل التسليح وقف النزيف الذى يأتينا من دول الغرب ،ولو أنهم ينتسبون إلى الدول نفسها التى عليها أن تصد كل عدوان يهدد الدول التى كانوا منها وخرجوا عليها تحت ستار الدين والعقيدة والفكر الذى تجذّر فى عقول الخارجين منا ليصبحوا أعداء لنا بعد أن كانوا أبناء.

أما وصف الجيش بوصف دينى فكأننا نصدق على فكر الخارجين منا ليختاروا الخروج علينا تحت ستار وشعار الدين، مع اختلاف الرؤية بيننا وبينهم، إلا أن العالم الخارجى لا يفرق بين معتدين ومدافعين، فالكل يرفع راية واحدة بفكر مختلف. إننا ما زلنا نؤرخ الحروب التى قاومناها قديما وكانت بدعوى استرداد الأرض وأطلق عليها الحروب الصليبية والصليب منه ومنهم براء ،فالمسيح لم يرفع صليبا بل هو من رفع عليه، وهو من رفض الظلم فى تعليمه واحتمل الظلم من دعاة الدين وحماته، بل رفض الانتقام عندما استل أحد تلاميذه سيفه وقطع أذن العبد الذى امتدت يده لاطما المسيح فقال السيد المسيح لبطرس «رد سيفك إلى غمده فمن يأخذ بالسيف بالسيف أيضا يؤخذ» ولم يكتف السيد بهذا التأنيب بل أعاد الأذن المقطوعة إلى مكانها الطبيعى رافضا مجردتشويه خليقة الله.

أما وإن خرج علينا قوم لا يَرَوْن إلا العنف وسيلة لتحقيق أهدافهم بنظرة أحادية لا ترى إلا نفسها ولا تسمع إلا صوتها وصدى صوت انفسهم وهم ظلموا انفسهم بضيق الأفق وسوء تفسير النصوص والانقياد وراء قادة لا يسمعون غير صدى ما يقولون.

وعودة إلى مقال الأستاذ عباس الطرابيلى فى جريدة «المصرى اليوم» وهو يتصور نتائج الانتخابات الأمريكية قبيل نهاية العام المقبل، وقد تأتى بمرشح له نظرة مختلفة عن الأوضاع فى الشرق الأوسط وهو ينحاز الى فكرة تعميم الإسلام، ويرى أن الإخوان كانوا يمثلون الوسطية مقارنة بداعش، اليوم وما وصلوا إليه فى سوريا والعراق ولم تتوقف أطماعهم بعد. إن وحدة الاوطان العربية حلم حاول تحقيقه ولو جزئيا الرئيس جمال عبد الناصر من زاوية ورآه الرئيس أنور السادات من زاوية أخرى مختلفة الوسيلة، ولكنه رآها خطوة على الطريق ولم يفهمه الأصدقاء فقاطعوه، ثم انتهى بقتله، وعلى مر عشرات السنين لم نحقق ولو بعضا من وعود الغرب ومنهم الرئيس باراك أوباما الذى وعد وربما حاول أن يسعى لتحقيق ما وعد بإنشاء دولتين متجاورتين للفلسطينيين واليهود، وها هى الدورة الثانية فى هزيعها الأخير لحكمه ولم يتحقق شيئا مما وعد.

إن تحالف الدول الأربعة والثلاثين، وحتى مع إضافة عشر دول كبيرة أخرى فى مواجهة الإرهاب قد يبدو حلما جميلا، ولكن الواقع يقول إن الإرهاب خارج الباب بالنسبة لدول عديدة فى هذا التحالف ولا يعنى دولا كثيرة منه ما يحدث لغيرهم طالما الفأس ليست على رءوسهم وقد يكون أقرب إلى المجاملة منه إلى الواقع.

إننى أتمنى أن تتعاون الدول جميعها شرقا وغربا، فالخطر ليس فقط على العالم الإسلامى وحده فأحداث فرنسا وكاليفورنيا لم تكن موجهة إلى العرب، بل إلى العالم ممثلا فى أوروبا وأمريكا، أما إذا كان التحالف يأتى فى صورة وعد وعهد وميثاق من شأنه أن يتكاتف جميع دول المنطقة ومعهم المجتمع الدولى لنزع فتيل الخراب والدمار وتهديد الآمنين أطفالا وشيوخا، وليس بالضرورة أن يكون الحل محصورا فى استخدام القوة فى مواجهة عنف الاخرين ولكن هناك طرق عديدة لحل مثل هذه الأزمات أرى آخرها الحروب والقتال لا سيما أن الطرف الذى يهدد العالم يستخدم العنف فى سبيل تحقيق فكر وعقيدة وإيمان، فالفكر يواجه بالفكر، والرأى بالرأى، والخطاب بخطاب، سواء كان على المنبر أو من كتاب.

فهل فكر قادتنا الكبار فى عالمنا العربى والإسلامى أن يبدأوا من المقررات التى تدرس فى المدارس والمعاهد ودور العبادة حتى ما تخرج كلمة جريئة من بيوتنا ودور عبادتنا؟ إننا لا يمكن أن ننسى أبدا توجيه الرئيس السيسى عندما نادى بمراجعة فهمنا لما نعلمه ونطبقه استنادا إلى النص، والنصوص لها علم وقواعد فى التفسير والتطبيق يختلف فهمه من عصر لعصر ومن ظرف لظرف، وعندئذ سنتبين أن من نراهم خارجين عن الصفوف لهم عذرهم، بل هم ضحايا من فسر وعلم وكتب ووعظ وحفز.

هنا أقول فكرة التآخى والتضامن ليست للحروب فقط، فالحروب حبالها تطول، أما الفكر والاستنارة والقدوة الحسنة وتصحيح المفاهيم طريق قد يطول ولكن عاقبته السلامة المستدامة.

إن العلم والاستنارة واتساع الأفق وضبط المعانى وفق الظروف والأحوال ليست جامدة بل هى طريق للإنارة فى وسط ظلمة الحياة وحيل الشيطان وجهل المتلقى، وقد يشاركه المعلم الذى تعلم وتسلم من جيل لم ير ما نراه ولم يسمع ما نسمعه على مدار ساعات الليل قبل النهار.

دعونا إذا نأخذ الجانب المضئ فى فكرة التحالف وجمع الشمل ووحدة الكلمة، لتقف جيوشنا كل فى مداخله وحدوده حاميا ليس فقط من الاعتداء عليه أن يمنع المتربصين والمتسربين إلى دول الجوار، وهذا لا يتعارض مع إعادة البناء الفكرى والدعوى ومراجعة الكتب التى كتبها أناس منا ربما بحسن نية ولم يكن يتصور الكتاب أن ما أبدوه من فكر يحتمل الصواب والخطأ، وأنه سوفيؤدى بنا إلى ما نحن فيه من دمار. أما حذرى من هذا التحالف هو أن تخرج دعاوى غربية لاتخاذ مواقف مضادة كما بدأنا نقرأ، فلعلها دعاوى انتخابية تتحول بعد نهايتها إلى ملفات فى أدراج كما فعل آخرون من قبل بملف الشرق الأوسط وإلا واجه العالم حربا عالمية ثالثة فى عصر تطور الأسلحة، فيكتوى بنارها الشرق والغرب على السواء، بينما ينتظر أطفالنا إشراقة جديدة لعصر جديد يجتمع فيه الكل أبناء آدم وحواء ينعمون بالسلام المبنى على العدل والحب والإخاء إنه حلم ويستطيع قادة العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه أن يرسموا معالم الطريق ،ومعاً يحققوا حلمنا فيتحول إلى حقيقة، والله مع كل جهد مخلص وكل عمل صالح، وعندئذ لا نقول تحالف العالم الإسلامى أو تحالف العالم الشرقى فى مواجهة الغربى، ولن نصل عندئذ الى نتائج غير الموت والدمار. أما الاحتمال الآخر فهو بقاء الحال على ما هو عليه، ويصبح التحالف مجرد رغبة فى ملفات الدراسة شأن المنظمات الدولية الأخرى وإن اختلفت التسميات، والتى أخبار اجتماعاتها واقتراحاتها ودراساتها وميزانياتها كان الأولى بها معالجة الفقر، وعلاج تدهور التعليم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ومراجعة البيت من داخله، فالشرر منا وهو على أبوابنا وعلى كل بلد «أن يأخذ باله من بابه دخولاً وخروجاً».