رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام جديد.. وآمال جديدة


حين يتوقف الجميع لحظة بغض النظر عن الدين واللون والعرق والثقافة ويحدقون معاً فى الأيام المقبلة المجهولة وهم يتساءلون عما قد يحمله لهم الزمن المقبل؟ هذا الزمن الذى يحاول الناس منذ الأزلالتغلب عليه، والعودة أحياناً إلى لحظاته الماضية الجميلة، والتقدم عبره إلى الغد. وقد تشربت بهجة ذلك الاحتفال فى روسيا، وكان الناس هناك أيام الاتحاد السوفيتى يحتفلون بأعياد كثيرة منها يومالثورة، ويوم الحب، ويوم الجيش، وعيد المرأة، ويحصلون على إجازات تمتد أحياناً لأربعة أيام كاملة متصلة. لكن الاحتفال برأس العام الجديد كان دوماً احتفالاً حاراً وعيداً تستعد له العاصمة والبيوتقبلها بأسبوع. تعلق الزينة فى كل مكان، ويبدأ الجميع فى تبادل التهانى، والهدايا، وإعداد الولائم، ودعوة بعضهم البعض إلى تلك الليلة التى تحل عادة فى الشتاء الروسى القارس. يبدأ الناس بالأكل والشرب داخل بيوتهم، وعندما تقترب الساعة من منتصف الليل يخرجون إلى الساحات المفتوحة أمام المنازل. إلى الشوارع والميادين. يقفون يتطلعون إلى السماء ويتابعون بصيحات الفرح إطلاق ألوان قزح المتوهجة من الأسهم النارية. وما إن تدق الساعة الثانية عشرة معلنة عن بداية العام الجديد حتى يتواثبون فى فرح وضجة ويتبادلون التهنئة والقبلات تحت ضوء القمر. يرفعون الأنخاب ويرقصون معاً من دون سابق معرفة تحت نثار الثلج الفضى الذى يجرى فى أشعة أعمدة النور. لايسألك أحد حينذاك : من أى بلد أنت؟ ولا يسألك أحد من أى قومية أنت؟ لكن يتقدم نحوك كل من تلقاه ويصافحك ويعانقك بحرارة ويهتف: عام جديد سعيد. تتقدم إليك فى تلك الليلة ألف شابة كالزهرة، لا تعرفك، لكن تقبلك، وتتمنى لك حياة سعيدة، فتقبلها وتتمنى لها السعادة بدورك. فى هذه الليلة يقف البشر معاً يرتجفون من البرد فى معاطفهم الشتوية ويشعرون رغم ذلك بدفء أنهم معاً فى قبضة زمن واحد، ومعاً على أرض مفتوحة دوارة، ومعا يتطلعون بضعف وأمل ونشوة إلى النجوم. ولا تفارق النفس الفرحة المضيئة باللحظة التى يدق فيها قلب البشر جميعاً بالخوف من المجهول والقوة فى مواجهته والشعور بالمصير المشترك. وقد لا يسعنا فى مصر أن نتبادل التهانى والقبلات فى الشوارع، لكن من الضرورى أن نشعر معا بالمصير المشترك، وأن نشعر معاً بآمال مشتركة، وبأن لنا مستقبلاً نحن الذين سنرسم ملامحه، وأن لنا وطناً هو كل مالدينا، ذكرياتنا كلها منقوشة على أحجاره، وجذورنا كلهامطمورة فى ترابه، وآمالنا كلها مقرونة بالزهور التى تتفتح على أفرعه. عام جديد سعيد لكل الأصدقاء، عام جديد سعيد على مصر تظل مصر فيه: «أحب وأجمل الأشياء» ويظل النبض ينفض عروقنا بألف نغمة وضرب: «على اسم مصر».