رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من قس إنجيلى إلى شيخ الأزهر «5-5»


فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.. تحية طيبة وبعد.. فى رسائلى السابقة كتبت إلى فضيلتكم معلقاً على بعض ماجاء فى حديثكم عن العلاقة بين الدين والحضارة، فى مؤتمر الأوقاف الدولى حول تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف والذى عقد بالأقصر...

... لقد قلت فضيلتكم مانصه: «وقد ثبت تاريخياً أن المسلمين حين أبدعوا وتحضروا وصدروا ذلك للعالم كله، كانوا يسندون ظهورهم إلى نصوص القرآن والسنة وتوجيهات الإسلام، وأنهم تراجعوا حين حيل بينهم أو حالوا هم أنفسهم بينهم وبين مصادر القوة فى هذا الدين، بعكس حضارة الغرب التى أصابها الضعف والتفكك حين كانت ترفع لافتة الدين فى القرون الوسطى، فلما تمردت على الدين وأدارت له ظهرها، نمت وترعرعت فيما يٌعرف بعصر النهضة أو عصر التنوير، وهذه مفارقة أو مقارنة لا ينبغى إغفالها فى تميز الإسلام وقدرته الخارقة على صنع مجتمعات غاية فى الحضارة العلمية والثقافية والفنية، وأن حضارة المسلمين مرتبطة بالإسلام ارتباط معلول بعلته توجد حين يوجد الإسلام، وتتلاشى حين ينحسر أو يغيب». وقلت لفضيلتكم إن حضارة الغرب نمت وترعرعت فيما يعرف بعصر النهضة لأنها فصلت الدين عن السياسة، فعندما جاء عصر الإصلاح وظهرت الحركة «البروتستانتية»، الرائدة فى المناداة بحرية التفكير والتعبير، وحرية الاعتقاد، هذه الحرية التى فتحت أمام العالم باب الحضارة والتقدم فى مختلف المجالات العلمية والثقافية والفنية.وفى مقال اليوم دعنى أختم رسائلى، أظنك تتفق معى أنه لا تقدم ولا ازدهار لمصرنا الغالية ولعالمنا العربى دون إعمال للعقل فى الموروث الدينى ودون تأويل عصرى للنصوص، وتجديد الفكر الدينى لن يتم دون أن يكون العقل هو المرجع للنصوص الدينية، وإذا كان العقل هو مرجعنا فى فهم النصوص الدينية فهو مرجعنا أيضاً فى فهم الواقع واكتشاف قوانين الطبيعة وفى الاستفادة من التجارب والخبرات، وفى التصدى للمشاكل والعمل على حلها، وهذا معناه أننا سنصبح مواطنين أحراراً ولسنا قطعاناً تخاف وتطيع وتسمع للأصوليين الدينيين المتطرفين لأن الاحتكام إلى العقل يحرر المؤمنين من سلطة رجال الدين. فالفكر الدينى لن ينصلح دون أن ينتصر للعقل، ودون أن يحتكم له فى فهم النصوص الدينية، ومن المهم أن يلجأ العقل إلى التأويل الذى يزول به ما يبدو أحياناً من تناقض بين ما يقوله النص وما نعرفه بعقولنا وتجاربنا، والتأويل كما يعرفه البلاغيون هو إخراج المعنى الذى يدل عليه اللفظ من الحقيقة إلى المجاز، فإن وجدنا فى النص الدينى ما لا يتفق مع العقل، أو مع قيم الحب والخير والجمال، وجب علينا أن نؤوله، أى نفهمه بالمعنى الذى لا يتعارض فيه الكلام مع ما نعرفه ونثق فى صحته. ولا تحضر لشعوبنا يافضيلة الإمام الأكبر دون إصلاح دينى مماثل لما حدث فى الغرب، إصلاح دينى يتضمن غربلةالماضى وتنقية التراث وتنقية المناهج، ولا رقى لبلداننا دون فصل تام بين الدين والسياسة وأنظمة الحكم، ولا إبداع ولاحرية لشعوبنا دون أن يرفع رجال الدين فى عالمنا العربى وصايتهم عن عقول البشر، ولا نهضة حقيقية دون أن يحل التفكير محل التكفير. وختاماً تقبل خالص تحياتى وموفور احترامى.