رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العقاب وحده ليس حلاً دائماً


المراقب البسيط يتساءل: ما الذى جرى فى منطقة الشرق الآوسط وتحديدا فى المنطقة العربية؟ وكيف يعود السلام لهذه المنطقة التى تركزت فيها الديانات الإبراهيميةالتى من صميم رسالتها الدعوة إلى السلام ونبذ العنف والعيش المشترك والنهوض بالشعوب علماً وثقافة وحياة كريمة ومن المسلم به بديهيا أنه لا نهضة علمية أو صناعية أو حضارية فى غياب السلام والاستقرار حتى إن الشعوب المتقدمة والتى تعرف بالعالم الاول تحاول حكوماتها أن تتجنب الصدام والدخول فى حروب...

... بل إنها مستعدة أن تساهم فى نقل الصراعات من أراضيها إلى دول العالم الثالث الذى أنهكته المعارك والصراعات السياسية والطائفية وانعكست هذه الصراعات على جميع مناحى حياة هذه الشعوب حيث أنهكت هذه الصراعات قدراتها الاقتصادية وبالتالى تأخرت أساليب الحياة كالتعليم والصحة والصناعات والسياحة وتبادل الخبرات.

كما يعد السلام من اهم القيم الانسانية بل إن السلام هو محور الحياة فى أى مجتمع

والسلام ليس استسلاما ولا ضعفاً بل هو غياب العنف بكل صوره بداية من العنف اللفظى الذى يظهر فى بعض مناهج التعليم أو فى صور الخطاب الدينى، ومن أسوأ صور العنف هى الحروب الداخلية التى تتخذ من الدين مبررا أو الصراعات السياسية حيث تسعى فرق من المجتمع للاستيلاء على مقاليد البلاد بدعاوى دينية أو سياسية فى ظاهرها وباطنها هو الوصول إلى الحكم، أما مفهوم السلام فهو التوافق والانسجام بين الشعب فى بلد بعينه وقبول الآخر بتعدداته الدينية والمذهبية والطائفية والقناعة الكاملة بمساواة المواطن فى كل الحقوق وعليه كل الواجبات وانه لا فضل لواحد على الآخر إلا بما يقدم من خدمة للوطن.. ولقد ذكرت فى مقال سابق إعجابى بتعريف مكونات المجتمع لتفادى التفرقة بسبب العدد أو الدين أو حتى اللغة فجميع المواطنون هم أعضاء الجسد الواحد وهو الوطن والسلام هو الانسجام والشراكة الحقيقية أى اتفاق كل المواطنين على الأهداف الرئيسية للتعايش المشترك ونبذ العنف بكل صوره والسلام الاجتماعى ليس فقط غياب العنف والتعايش المشترك بل ارتباط جميع المواطنين بما يعرف بالعقد الاجتماعى غير المكتوب وهو التزام غير مكتوب ولكنه معلن وغير مكتوم يعرفه الصغير والكبير والغنى والفقير والحاكم والشعب، كما ان الخروج على هذا العقد غير المكتوب انتهاك للقانون والدستور فالعقد الاجتماعى هو ضمان حالة الاتزان والاستقرار وتحقيق المصالح العليا لأى وطن كما يضمن قانون الدولة هذه الحريات والحقوق والواجبات وضمان تفعيل العقد الاجتماعى هو دور جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلانية ومسئولية الحاكم الذى فى غالب الأحوال ما يكون من بين المكون الاجتماعى ذى الغالبية العددية وهنا تكون مسئوليته الأكبر هى ضمان حقوق الأطراف الأقل عددا أو الأضعف كالطفل والمرأة فى بعض المجتمعات الذكورية النزعة وللسلام الاجتماعى أركان أساسية لابد من توافرها ومنها الإدارة الملائمة والمتعددة فغالبية المجتمعات تشمل تعددا دينيا أو مذهبيا ففى داخل الدين الواحد توجد مذاهب متعددة وتحاول كل فرقة أن تدافع عن فكرها وعقيدتها بغير عنف كما تدرك أن من حق المغايرين تحت أى مسمى أن يتمتعوا بكامل الحقوق وعليهم ذات الواجبات، أما ضمان تحقيق السلم الاجتماعى والأمن الداخلى فهو دور الحاكم وسيادة القانون وعدالة القضاء كما أننا نؤكد على فن إدارة التعددية حتى تتحول روعة التعددية الى ميزة وغنى حقيقى فى القدرات والتنوع الفكرى والتعدد الاجتماعى والثقافى ولتحقيق هذا التميز وضمان بقائه لا بد من اتخاذ الخطوات العلمية والقانونية بجانب النشأة التربوية والتعليمية والعلمية، ومن هذه الضمانات:

١- الإدارة السلمية للتعددية، فهناك إدارات تصادمية إما بطبيعتها أو بمحاولة الحصول على دعم الغالبية فيهمل فى حقوق المكونات الأقل عددا.

٢- سيادة القانون والاحتكام إليه فالكل أمام القانون سواء دون النظر الى الكثافة العددية أو الأقلية النوعية والاحتكام إلى القانون الذى لا يفرق بين مواطن وآخر لأى سبب كان وهذا هو دور القاضى ومن قبله رجل الأمن ودور التعليم التى لا تفرق وتجمع وتدعم كل المكونات فى جميع المجالات.

٣- حرية التعبير من أهم الوسائل لبناء السلام وتنمية القدرات الشخصية وتشكيل قادة المجتمع فلكل إنسان الحق فى اختيار الوسيلة المناسبة والنقد الذاتى يضمنه القانون ومن قبله الدستور

٤- العدالة الاجتماعية وهى أساس السلام الاجتماعى فهناك هموم للفقراء وعلى

المسئول ان يراعى ذلك كجزء أساسى فى عمله وهنا يأتى السؤال الأهم بعد مقدمة طويلة كانت ضرورية: هل من علاج لفريق من أبناء المجتمع وهم مصريون لا نستطيع إنكار هذه الحقيقة وأعنى بالعلاج وسيلة أخرى قبل أحكام السجن وأحكام الإعدام فى حق أبناء وطن وقعوا فريسة تعليم ظنوا انهم بما يرتكبون من جرائم انهم يفعلون خيراً لا شراً، جهادا لا جرما أو عنادا والجرائم التى ارتكبوها إنما طاعة لقادتهم ومعلميهمبغية نوال رضا الخالق وحصولهم على أعلى الرتب فى الآخرة فضلاً عن متعة لا نظير لها فى دنياهم؟ إذن فالجرائم فى مفهوم من قادوهم وأقنعوهم ليست إلا واجبا مقدسا والعلاج الأمثل هو هداية قادتهم وتصحيح مفاهيم وقعوا فريسة لها، إنه واجب كل المجتمع بداية من المعلمين والخطباء والمرشدين إلى الآباء والأمهات وفصول

الدراسة فى المدارس والمعاهد ومن المراجع والكتب التى تنتشر كالنار فى الهشيم وما أكثرها وعودة إلى الخطاب الدينى الذى أشار اليه السيد الرئيس فى أكثر من مناسبة، فلنفتح الابواب إلى تصحيح المفاهيم قبل إضافة الكثير من زنازين السجون وحتى قبل إعمال مقصلة الإعدام فالاستتابة واجبة والمغفرة من رضا الخالق وقبل إدانة مرتكبى

الجرائم وجهوا الأحكام على من علَّم وأقنع ولا يزالون يبثون تعاليمهم عن قناعة أو جهل، ليت كلماتى تصل إلى الجميع فهم أبناء الوطن وسقطوا فريسة جهل، أو علم يحتاج الى علماء يصححونه.