رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من قس إنجيلى إلى شيخ الأزهر «2-3»


فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.. تحية طيبة وبعد..فى مقالى السابق كتبت إلى فضيلتكم معلقاً على بعض ما جاء فى حديثكم عن العلاقة بين الدين والحضارة، فى مؤتمر الأوقاف الدولى حول تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف، والذى عقد بالأقصر الأسبوع الماضى.لقد قلت فضيلتكم ما نصه: «وقد ثبت تاريخياً أن المسلمين حين أبدعوا وتحضروا وصدروا ذلك للعالم كله، كانوا يسندون ظهورهم إلى نصوص القرآن والسنة وتوجيهات الإسلام، وأنهم تراجعوا حين حيل بينهم أو حالوا هم أنفسهم بينهم وبين مصادر القوة فى هذا الدين، بعكس حضارة الغرب التى أصابها الضعف والتفكك حين كانت ترفع لافتة الدين فى القرون الوسطى، فلما تمردت على الدين وأدارت له ظهرها، نمت وترعرعت فيما يٌعرف بعصر النهضة أو عصر التنوير، وهذه مفارقة أو مقارنة لا ينبغى إغفالها فى تميز الإسلام وقدرته الخارقة على صنع مجتمعات غاية فى الحضارة العلمية والثقافية والفنية، وأن حضارة المسلمين مرتبطة بالإسلام ارتباط معلول بعلته، توجد حين يوجد الإسلام، وتتلاشى حين ينحسر أو يغيب».

وقلت لفضيلتكم من حقك كمسلم أن تتحدث كيفما تشاء عن الحضارة الإسلامية، ولكن كان يجب التفرقة بين المسيحية وبين تصرفات بعض المنتمين إليها آنذاك.

وفى مقال اليوم أستكمل بقية الملحوظات:- ثالثاً: يا عالمنا الجليل، إن حضارة الغرب لم يصبها الضعف والتفكك حين كانت ترفع لافتة الدين كما ذكرت فضيلتك، ولم تزدهر وتترعرع عندما أدارت له ظهرها كما قلت، ولكن حضارة الغرب فى القرون الوسطى تحديداً تفككت حين كان الناس منقادين دون تفكير لرجال الدين، وازدهرت حضارة الغرب ونمت وترعرعت فيما يعرف بعصر النهضة لأنها فصلت الدين عن السياسة، ولأنها عزلت الدين عن أنظمة الحكم، ونهضت الحضارة الغربية عندما تُرك المجال لإبداع العلماء دون وصاية عليهم من رجال الدين، إن المسيحية فى جوهرها يافضيلة الإمام تحترم العلم والعلماء، وتدعو لفصل الدين عن السياسة، فلقد علم السيد المسيح قائلاً: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، لذلك فإن المسيح فى تعاليمه الراقية لم يضع تشريعاً معيناً، ولكنه وضع مجموعة من القيم والمبادئ التى تصلح لكل عصر ولكل زمان ومكان، فذات مرة طلب شخص منه أن يحصل على ميراثه قائلاً: «يا معلم قل لأخى أن يقاسمنى الميراث»، فأجابه السيد المسيح: «من أقامنى عليكما قاضياً أو مقسماً؟! ثم قال للكل: «انظروا تحفظوا من الطمع»، لقد وضع المسيح قانون ميراث المحبة والقناعة والتحفظ من الطمع قبل أى قانون آخر، ولكن بعد انتشار المسيحية، أعلن الإمبراطور قسطنطين- إمبراطور روما- الذى اعتنق المسيحية، أن المسيحية ديانة تابعة للإمبراطورية وأرسل فى أرجائها أمراً أن تٌرد للمسيحيين بيوتهم وأملاكهم، والمسجونون منهم يٌحررون، ويُسمح لهم ببناء الكنائس وحرية العبادة،ومنذ أن أصبحت المسيحية هى الدين الرسمى للدولة، كان هذا الأمر هو بداية الانحدار والانحطاط الحضارى. وللحديث بقية.