رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كردستان واحة التعايش بين المكونات العرقية «١»


أتيحت الفرصة لى وبعض الأصدقاء للسفر إلى كردستان لمدة ثلاثة أيام فى الفترة بين الأحد الخامس عشر من نوفمبر الحالى وحتى الأربعاء الثامن عشر من ذات الشهر، وكانت المهمة هى المشاركة مع القيادات المسئولة عن كتابة دستور اقليم كردستان وقد يسأل القارئ كيف ينفرد جزء من دولة بكتابة دستور خاص وبالتالى برلمان خاص بهذا الإقليم...

... لقد أتيح لنا أن نعرف شيئا عن طبيعة هذا الإقليم السكانية، وبالتالى عرفنا لماذا اختص هذا الإقليم بشبه الاستقلالية، فالسكان متعددو الانتماءات الدينية والثقافية، وكذلك طبيعة الإقليم واتساعه رغم أن جملة عدد السكان نحو خمسة ملايين ونصف المليون.

أما مكونات الإقليم فهم متعددو الانتماءات الدينية والعرقية، وأهم العرقيات والمكونات فهى الدينية مثل الايزيدية والمسيحية والكاكائية والزرادشتية والبهائية والصابئة والمندانية، ثم الشبك والتركمان والسريان والكلدان والأشوريين والأرمن، ومع كل هذه التنوعية الواسعة يبقى اقليم كردستان نموذجا يحتذى فى التعايش السلمى وضمان حقوق المكونات المختلفة مع مراعاة عدم وجود لكلمة أقليات حتى أطلقوا على إقليمهم أنه واحة التعايش بين جميع المكونات العرقية والدينية والقومية والإثنية واللغوية.

ويليق بنا قبل الاستطراد فى وصف طبيعة الشعب الكردستانى أن نشير إلى مفهوم الأقلية فى القوانين الدولية، والذى احتذاه النظام الكردستانى، فمن زيارة لم تتجاوز ثلاثة أيام التقينا فيها بأساتذة القانون فى جامعة كردستان وتحديدا بكلية الحقوق، ومع سيادة عميدها واساتذة الدستور بها.

تعرضنا فى هذا اللقاء إلى المبادئ الأساسية للدساتير العالمية، مع الوضع فى الاعتبار أن إقليم كردستان ليس دولة مستقلة، ثم تلى لقاءنا بأساتذة الجامعة كلية الحقوق باجتماع آخر مع لجنة كتابة الدستور وعددهم واحد وعشرين عضوا يمثلون كل الشعب الكردستانى بمختلف انتماءاتهم، إلا أن القاعدة الضابطة لعمل اللجنة فهى الإجماع وليست الأغلبية، ولو كانت أغلبية خاصة مثل ثلاثة أرباع العدد وذلك ضمانا لحقوق الأقليات المكونة للأقليم، وهذا التعبير مكونات هو اللغة السائدة،واللجنة برئاسة نائب رئيس البرلمان.

والجدير بالذكر أن اقليم كردستان يجمع بين كونه جزءاً من دولة العراق، إلا أنه يتمتع باستقلالية الحكم، فله رئيس وله برلمان وله جيش يعرف بالبشمرجة، وحكومة خاصة به، والشعب فى مجمل مكوناته العرقية والدينية يؤمنون بالتعايش السلمى، يكرهون الكذب، ويبغضون الرذائل، يناصرون العدل والعدالة، يتمسكون بالفضائل وفى مقدمتها الحكمة والشجاعة والعدل والإخلاص والأمانة والكرم.

إنهم يقدرون الفضائل، ويؤمنون بأنها هى الملائكة التى تدفع الإنسان للتحلى بها، وتعظم القوة المقدسة التى تدفع الإنسان للتحلى بفعل الخير، والتمسك بالنور والحق، وهى اذرع النجاة، إنهم يعبرون عن كل هذه القيم فى صلواتهم، أن يبتعدوا عن النفاق والخديعة والخيانة والجبن والبخل والظلم وإزهاق الأرواح، كما تؤمن الزرداشتية باليوم الآخر، والعقاب والثواب والروح الذى هو الدائم الأبدى، أما الجسد فهو مجرد غلاف، والروح الذى يبقى بعد الموت فى منطقة تسمى البرزخ، وبعده ينتقل الروح إما إلى جنة أو إلى جحيم، وذلك وفقا لميزان حسنات المرء، والجحيم عندهم ليس هو النار، بل هو منطقة باردة جدا وبها حيوانات متوحشة تعاقب المذنبين.

كما أن هذه الديانة تحض على التمسك بالفكر الصادق والعدل الكامل والعمل الصالح وطاعة الإله الواحد.

وفى عجالة نتعرض لأهم المكونات السكانية ومنها

اليزيديون، وأغلبهم يعيشون فى منطقة سنجار، ويبلغ عددهم نحو سبعمائة وخمسون ألف، وفى مختلف دول العالم نحو المليونين والنصف، ويتكلمون اللغة الكردية والعربية، ومن عقيدتهم أنهم يعبدون الخالق، وصلاتهم طلب الخير والسلام لسائر البشرية، وصلاتهم لخالق الكون المسمى خودى فى الفجر وعند الظهر ثم عند الغروب، ومن كتبهم المقدسة الكتاب الأسود، ولغتهم المقدسة هى داوى، ويصومون كثيرا حتى أن منهم من يصوم كل أيام السنة، ويطلقون على الصوم العام «ايزى» أى صيام الله، ومدته ثلاثة أيام فى شهر ديسمبر، وفى اليوم الرابع يعيدون، أما قبلتهم التى يتجهون نحوها فهى الشمس باعتبارها أعظم ما خلق الله، كما أنهم يؤمنون بعماد الأطفال بالماء، كما يفعل المسيحيون، أما احتفالهم الكبير فهو يوم الأربعاء الأخير من شهر إبريل، كما أنهم لا يعتقدون بوجود أرواح شريرة أو شياطين.

أما الصراع بين الخير والشر فهو صراع بين النفس والعقل فإذا انتصر العقل على نوازع النفس نال الإنسان خيرًا كثيرًا فى الحياة وما بعد الحياة أما إذا انتصرت نوازع النفس على العقل فذلك سؤ المصير.

أما الديانة الثانية فهى الكاكائية وهى عقيدة علوية صوفية عراقية وهم طائفة شيعية مسلمة تأثروا بالأديان المحيطة بهم واسم ديانتهم منشق من الكلمة الكردية « كاكا» أى الأخ الأكبر.

أما مؤسس هذه الديانة فهو سلطان إسحاق بن عيسى البرزنجى ويعتبر مدفنه مزارا له تقديره يسمى كاكانيا ومكانه جبل «هاورامان»، وهم يؤمنون بالإله الواحد ولكنه معلن فى ثلاثة ظهورات، الكبير والوسط والصغير، وأن الروح القدس خلق مريم العذراء بواسطة جبرائيل، كما انهم يعظمون موسى أشد تعظيم، ويقسمون به ويضعونه فى مقدمة جميع الأنبياء ويعتقدون انه هو المسيح، كما أنهم يعشقون المسيحية، ولا يعددون الزوجات.

وفى العدد القادم سوف نتعرض لبعض الديانات الهامة، وكذلك الأحزاب قبل الدخول إلى نصوص الدستور المقترح بعد حوارنا مع الفرق المختلفة والمعنية بدستور البلاد.

أما ما لا يقبل التأجيل فهو حسن استقبالهم وترحيبهم بالتجربة المصرية من جانب الدستور وإن كانوا قد سبقونا، إنهم لم يتركوا أى من مكونات البلاد مهما قلت أعدادهم أو اتسعت مساحة الاختلاف فى الفكر والعقيدة والتوجه الدينى دون أن يجدوا لها مكانا فى مشروع الدستور المقترح، وإن كان قد توقف لاعتراض البعض على بعض النصوص، وإننى اتوجه من هذا المقال بكل التحيةوالتقدير لجميع الهيئات التى أحسنت استقبالنا ومرافقتنا كما يقولون من الباب للباب، أى من باب المطار وحتى العودة إليه، لهم منا كل حب وتقدير، مقدرين أدوارهم للحفاظ على وحدة هذا الشعب.

فإلى اللقاء فى المقال التالى حول هذا اللقاء.